فالجواب: أن المراد بهذا العمى عمى القلب، وذلك يتزايد ويحدث منه شئ بعد شئ، فيخالف الخلق اللازمة التي لا تزيد، نحو عمى العين، والبياض، والحمرة، ذكره ابن الأنباري.
وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذا لاتخذوك خليلا " 73 " ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئا قليلا " 74 " إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيرا " 75 " وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها وإذا لا يلبثون خلافك إلا قليلا " 76 " سنة من قد أرسلنا قبلك من رسلنا ولا تجد لسنتنا تحويلا " 77 " قوله تعالى: * (وإن كادوا ليفتنونك) * في سبب نزولها أربعة أقوال:
أحدها: أن وفد ثقيف أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: متعنا باللات سنة، وحرم وادينا كما حرمت مكة، فأبى ذلك، فأقبلوا يكثرون مسألتهم، وقالوا: إنا نحب أن تعرف العرب فضلنا عليهم، فان خشيت أن يقول العرب: أعطيتهم ما لم تعطنا، فقل: الله أمرني بذلك; فأمسك رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم ودخلهم الطمع، فنزلت هذه الآية، رواه عطاء عن ابن عباس. وروى عطية عن ابن عباس أنهم قالوا: أجلنا سنة، ثم نسلم ونكسر أصنامنا، فهم أن يؤجلهم، فنزلت هذه الآية.
والثاني: أن المشركين قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: لا نكف عنك إلا بأن تلم بآلهتنا، ولو بأطراف أصابعك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما علي لو فعلت والله يعلم إني لكاره "؟ فنزلت هذه الآية، قاله سعيد بن جبير، وهذا باطل لا يجوز أن يظن برسول الله [صلى الله عليه وسلم]، ولا ما ذكرنا عن عطية من أنه هم أن ينظرهم سنة، وكل ذلك مخالف في حقه.
والثالث: أن قريشا خلوا برسول الله ليلة إلى الصباح يكلمونه ويفخمونه; ويقولون: أنت سيدنا وابن سيدنا، وما زالوا به حتى كاد يقاربهم في بعض ما يريدون، ثم عصمه الله من ذلك، ونزلت هذه الآية، قاله قتادة.
والرابع: أنهم قالوا لرسول الله [صلى الله عليه وسلم]: اطرد عنك سقاط الناس، ومواليهم، وهؤلاء الذين رائحتها رائحة الضأن، وذلك أنهم كانوا يلبسون الصوف، حتى نجالسك ونسمع منك، فهم رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أن يفعل ما يستدعي به إسلامهم، فنزلت هذه الآيات، حكاه الزجاج; قال: