ويسئلونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا " 85 " قوله تعالى: * (ويسألونك عن الروح) * في سبب نزولها قولان:
أحدهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بناس من اليهود، فقالوا: سلوه عن الروح، فقال بعضهم: لا تسألوه، فيستقبلكم بما تكرهون. فأتاه نفر منهم، فقالوا: يا أبا القاسم: ما تقول في الروح؟
فسكت، ونزلت هذه الآية، قاله ابن مسعود.
والثاني: أن اليهود قالت لقريش: سلوا محمدا عن ثلاث، فإن أخبركم عن اثنتين وأمسك عن الثالثة فهو نبي; سلوه عن فتية فقدوا، وسلوه عن ذي القرنين، وسلوه عن الروح. فسألوه عنها، ففسر لهم أمر الفتية في الكهف، وفسر لهم قصة ذي القرنين، وأمسك عن قصة الروح، فنزلت هذه الآية، رواه عطاء عن ابن عباس.
وفي المراد بالروح هاهنا ستة أقوال:
أحدها: أنه الروح الذي يحيا به البدن، روى هذا المعنى العوفي عن ابن عباس. وقد اختلف الناس في ماهية الروح، ثم اختلفوا هل الروح النفس، أم هما شيئان فلا يحتاج إلى ذكر اختلافهم لأنه لا برهان على شئ من ذلك وإنما هو شئ أخذوه عن الطب والفلاسفة؟ فأما السلف، فإنهم أمسكوا عن ذلك، لقوله تعالى: * (قل الروح من أمر ربي) *، فلما رأوا أن القوم سألوا عن الروح فلم يجابوا، والوحي ينزل، والرسول حي، علموا أن السكوت عما لم يحط بحقيقة علمه أولى.
والثاني: أن المراد بهذا الروح; ملك من الملائكة على خلقه هائلة، روي عن علي عليه السلام، وابن عباس، ومقاتل.
والثالث: أن الروح: خلق من خلق الله عز وجل صورهم على صور بني آدم، رواه مجاهد عن ابن عباس.
والرابع: أنه جبريل عليه السلام، قاله الحسن، وقتادة.
والخامس: أنه القرآن، روي عن الحسن أيضا.
والسادس: أنه عيسى ابن مريم، حكاه الماوردي. قال أبو سليمان الدمشقي: قد ذكر الله تعالى الروح في مواضع من القرآن، فغالب ظني أن الناقلين نقلوا تفسيره من موضعه إلى موضع لا يليق به، وظنوه مثله، وإنما هو الروح الذي يحيى به ابن آدم. وقوله تعالى: * (من أمر ربي) * أي:
من عمله الذي منع أن يعرفه أحد.
قوله تعالى: * (وما أوتيتم من العلم إلا قليلا) * في المخاطبين بهذا قولان: