قوله تعالى: * (ولا تكرهوا فتيانكم على البغاء) * روى مسلم في " صحيحه " من حديث أبي سفيان عن جابر، قال: كان عبد الله بن أبي يقول لجارية له: اذهبي فابغينا شيئا، فنزلت هذه الآية. قال المفسرون: وكان له جاريتان، معاذة ومسيكة، فكان يكرههما على الزنا، ويأخذ منهما الضريبة، وكذلك كانوا يفعلون في الجاهلية، يؤاجرون إماءهم، فلما جاء الإسلام قالت معاذة لمسيكة: إن هذا الأمر الذي نحن فيه إن كان خيرا فقد استكثرنا منه، وإن كان شرا فقد آن لنا أن ندعه، فنزلت هذه الآية. وزعم مقاتل أنها نزلت في ست جوار كن لعبد الله بن أبي، معاذة، ومسيكة، وأميمة، وقتيلة، وعمرة، وأروى. فأما الفتيات، فهن الإماء. والبغاء: الزنا.
والتحصن: التعفف. واختلفوا في معنى * (إن أردن تحصنا) * على أربعة أقوال:
أحدها: أن الكلام ورد على سبب، وهو الذي ذكرناه، فخرج النهي عن صفة السبب، وإن لم يكن شرطا فيه.
والثاني: إنه إنما شرط إرادة التحصن، لأن الإكراه لا يتصور إلا عند إرادة التحصن، فأما إذا لم ترد المرأة التحصن، فإنها تبغي بالطبع.
والثالث: أن " إن " بمعنى " إذ " ومثله: * (وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين) * * (وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين) *.
والرابع: أن في الكلام تقديما وتأخيرا، تقديره: " وأنكحوا الأيامي " إلى قوله:
" وإمائكم " " إن أردن تحصنا " ولا تكرهوا فتيانكم على البغاء * (لتبتغوا عرض الحياة الدنيا) * وهو كسبهن وبيع أولادهن * (ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم) * وللمكرهات * (رحيم) * وقرأ ابن عباس، وأبو عمران الجوني، وجعفر بن محمد: " من بعد إكراههن لهن غفور رحيم ".
قوله تعالى: * (آيات مبينات) * قرأ ابن عامر، وأهل الكوفة غير أبي بكر، وأبان: " مبينات " بكسر الياء في الموضعين في هذه السورة وآخر سورة الطلاق.
قوله تعالى: * (ومثلا من الذين خلوا) * أي: شبها من حالهم بحالكم أيها المكذبون، وهذا تخويف لهم أن يلحقهم ما لحق المكذبين قبلهم.
الله نور السماوات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح المصباح في زجاجة