فالجواب: أن الخلق يكون بمعنى الإيجاد، ولا موجد سوى الله، ويكون بمعنى التقدير، كقول زهير:
وبعض القوم يخلق ثم لا يفري فهذا المراد ها هنا، أن بني آدم قد يصورون ويقدرون ويصنعون الشئ، فالله خير المصورين والمقدرين. وقال الأخفش: الخالقون هاهنا هم الصانعون، فالله خير الخالقين.
قوله تعالى: * (ثم إنكم بعد ذلك) * أي: بعد ما ذكر من تمام الخلق * (لميتون) * عند انقضاء آجالكم. وقرأ أبو رزين العقيلي، وعكرمة، وابن أبي عبلة: " لمائتون " بألف. قال الفراء:
والعرب تقول لمن لم يمت: إنك مائت عن قليل، وميت، ولا يقولون للميت الذي قد مات: هذا مائت، إنما يقال في الاستقبال فقط، وكذلك يقال: هذا سيد قومه اليوم، فإذا أخبرت أنه يسودهم عن قليل، قلت: هذا سائد قومه عن قومه، وكذلك هذا شريف القوم، وهذا شارف عن قليل; وهذا الباب كله في العربية على ما وصفت لك.
ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق وما كنا عن الخلق غافلين " 17 " وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض وإنا على ذهاب به لقادرون " 18 " فأنشأنا لكم به جنات من نخيل وأعناب لكم فيها فواكه كثيرة ومنها تأكلون " 19 " وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للآكلين " 20 " قوله تعالى: * (ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق) * يعني: السماوات السبع، قال الزجاج: كل واحدة طريقة. وقال ابن قتيبة: إنما سميت " طرائق " بالتطارق، لأن بعضها فوق بعض، يقال:
طارقت الشئ: إذا جعلت بعضه فوق بعض.
قوله تعالى: * (وما كنا عن الخلق غافلين) * فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: ما غفلنا عنهم إذ بنينا فوقهم سماء أطلعنا فيها الشمس والقمر والكواكب.
والثاني: ما كنا تاركين لهم بغير رزق، فأنزلنا المطر.
والثالث: لم نغفل عن حفظهم من أن تسقط السماء عليهم فتهلكهم.
قوله تعالى: * (وأنزلنا من السماء ماء بقدر) * يعلمه الله، وقال مقاتل: بقدر ما يكفيهم للمعيشة.