ثم أرسلنا موسى وأخاه هارون بآياتنا وسلطان مبين " 45 " إلى فرعون وملئه فاستكبروا وكانوا قوما عالين " 46 " فقالوا أنؤمن لبشرين مثلنا وقومهما لنا عابدون " 47 " فكذبوهما فكانوا من المهلكين " 48 " قوله تعالى: * (فاستكبروا) * أي: عن الإيمان بالله وعبادته * (وكانوا قوما عالين) * أي: قاهرين للناس بالبغي والتطاول عليهم.
قوله تعالى: * (وقومهما لنا عابدون) * أي: مطيعون. قال أبو عبيدة: كل من دان لملك فهو عابد له.
ولقد آتينا موسى الكتاب لعلهم يهتدون " 49 " وجعلنا ابن مريم وأمه آية وآويناهما إلى ربوة ذات قرار ومعين " 50 " قوله تعالى: * (ولقد آتينا موسى الكتاب) * يعني: التوراة، أعطيها جملة واحدة بعد غرق فرعون * (لعلهم) * يعني: بني إسرائيل، والمعنى: لكي يهتدوا.
قوله تعالى: * (وجعلنا ابن مريم وأمه آية) * وقرأ ابن مسعود، وابن أبي عبلة: " آيتين " على التثنية، وهذا كقوله: * (وجعلناها وابنها آية) * وقد سبق شرحه.
قوله تعالى: * (وآويناهما) * أي: جعلناهما يأويان * (إلى ربوة) * قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي: " ربوة " بضم الراء، وقرأ عاصم، وابن عامر: بفتحها. وقد شرحنا معنى الربوة في البقرة، * (ذات قرار) * أي: مستوية يستقر عليها ساكنوها، والمعنى: ذات موضع قرار. وقال الزجاج: أي: ذات مستقر * (ومعين) * وهو الماء الجاري من العيون. وقال ابن قتيبة: " ذات قرار " أي: يستقر بها للعمارة " ومعين " هو الماء الظاهر، ويقال: هو مفعول من العين، كأن أصله معيون، كما يقال: ثوب مخيط، وبر مكيل.
واختلف المفسرون في موضع هذه الربوة الموصوفة على أربعة أقوال:
أحدها: أنها دمشق، رواه عكرمة عن ابن عباس، وبه قال عبد الله بن سلام، وسعيد بن المسيب.