أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور " 46 " ويستعجلونك بالعذاب ولن يخلف الله وعده وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون " 47 " وكأين من قرية أمليت لها وهي ظالمة ثم أخذتها وإلي المصير " 48 " قوله تعالى: * (أفلم يسيروا) * قال المفسرون: أفلم يسر قومك في أرض اليمن والشام * (فتكون لهم قلوب يعقلون بها) * إذا نظروا آثار من هلك * (أو آذان يسمعون بها) * أخبار الأمم المكذبة * (فإنها لا تعمى الأبصار) * قال الفراء: الهاء في قوله: " فإنها " عماد، والمعنى: أن أبصارهم لم تعم، وإنما عميت قلوبهم. فأما قوله تعالى: * (التي في الصدور) * فهو توكيد، لأن القلب لا يكون إلا في الصدر، ومثله: * (تلك عشرة كاملة) * * (يطير بجناحيه) *، * (يقولون بأفواههم آل عمران) *.
قوله تعالى: * (ويستعجلونك بالعذاب) * قال مقاتل: نزلت في النضر بن الحارث القرشي.
وقال غيره: هو قولهم له: * (متى هذا الوعد) * ونحوه من استعجالهم، ولن يخلف الله وعده) * في إنزال العذاب بهم في الدنيا، فأنزله بهم يوم بدر، * (وإن يوما عند ربك) * أي: من أيام الآخرة * (كألف سنة مم تعدون) * من أيام الدنيا، قرأ عاصم، وأبو عمرو، وابن عامر: " تعدون " بالتاء.
وقرأ ابن كثير، وحمزة، والكسائي: " يعدون " بالياء.
فإن قيل: كيف انصرف الكلام من ذكر العذاب إلى قوله: " وإن يوما عند ربك "؟ فعنه جوابان:
أحدهما: أنهم استعجلوا العذاب في الدنيا، فقيل لهم: لن يخلف الله وعده في إنزال العذاب بكم في الدنيا. وإن يوما من أيام عذابكم الآخرة كألف سنة من سني الدنيا، فكيف تستعجلون بالعذاب؟! فقد تضمنت الآية وعدهم بعذاب الدنيا والآخرة، هذا قول الفراء.
والثاني: وإن يوما عند الله وألف سنة سواء في قدرته على عذابهم، فلا فرق بين وقوع ما يستعجلونه وبين تأخيره في القدرة، إلا أن الله تفضل عليهم بالإمهال، هذا قول الزجاج.
قل يا أيها الناس إنما أنا لكم نذير مبين " 49 " فالذين آمنوا وعلموا الصالحات لهم