وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها وما نرسل بالآيات إلا تخويفا " 59 " قوله تعالى: * (وما منعنا أن نرسل بالآيات) * في سبب نزولها فيه قولان:
أحدهما: أن أهل مكة سألوا رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أن يجعل لهم الصفا ذهبا، وأن ينحي عنهم الجبال فيزرعون، فقيل له: إن شئت أن تستأني بهم لعلنا نجتبي منهم، وإن شئت نؤتيهم الذي سألوا، فإن كفروا أهلكوا كما أهلك من كان قبلهم، قال: " لا، بل أستأني "، فنزلت هذه الآية، رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس.
والثاني: قد ذكرناه عن الزبير في قوله تعالى * (ولو أن قرآنا سيرت به الجبال) *، ومعنى الآية: وما منعنا إرسال الآيات التي سألوها إلا تكذيب الأولين، يعني أن هؤلاء سألوا الآيات التي استوجب بتكذيبها الأولون العذاب، فلم يرسلها لئلا يكذب بها هؤلاء، فيهلكوا كما هلك أولئك، وسنة الله في الأمم أنهم إذا سألوا الآيات ثم كذبوا بها عذبهم.
قوله تعالى: * (وآتينا ثمود الناقة مبصرة) * قال ابن قتيبة: أي: بينة، يريد: مبصرا بها. قال ابن الأنباري: ويجوز أن تكون مبصرة، ويصلح أن يكون المعنى: مبصر مشاهدوها، فنسب إليها فعل غيرها تجوزا، كما يقال: لا أرينك هاهنا، فأدخل حرف النهي على غير المنهي عنه، إذ المعنى: لا تحضر هاهنا، حتى إذا جئت لم أرك فيه. ومن قرأ " مبصرة " بفتح الميم والصاد، فمعناه: المبالغة في وصف الناقة بالتبيان، كقولهم: " الولد مجبنة ".
قوله تعالى: * (فظلموا بها) * قال ابن عباس: فجحدوا بها. وقال الأخفش: بها كان ظلمهم.
قوله تعالى: * (وما نرسل بالآيات إلا تخويفا) * أي: نخوف العباد ليتعظوا.
وللمفسرين في المراد بهذه الآيات أربعة أقوال:
أحدها: أنها الموت الذريع، قاله الحسن.
والثاني: معجزات الرسل جعلها الله تعالى تخويفا للمكذبين.
والثالث: آيات الانتقام تخويفا من المعاصي.
والرابع: تقلب أحوال الإنسان من صغر إلى شباب، ثم إلى كهولة، ثم إلى مشيب، ليعتبر بتقلب أحواله فيخاف عاقبة أمره، ذكر هذه الأقوال الثلاثة الماوردي، ونسب الأخير منها إلى إمامنا أحمد رضي الله عنه.