قوله تعالى: * (قل لئن اجتمعت الإنس والجن) * قال المفسرون: هذا تكذيب للنضر بن الحارث حين قال: " لو شئنا لقلنا مثل هذا ". والمثل الذي طلب منهم: كلام له نظم كنظم القرآن، في أعلى طبقات البلاغة. والظهير: المعين.
ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل فأبى أكثر الناس إلا كفورا " 89 " وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا " 90 " أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتفجر الأنهار خلالها تفجيرا " 91 " أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتي بالله والملائكة قبيلا " 92 " أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا " 93 " قوله تعالى: * (ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن) * قد فسرناه في هذه السورة، والمعني:
من كل مثل من الأمثال التي يكون بها الاعتبار * (فأبى أكثر الناس) * يعني أهل مكة * (إلا كفورا) * أي: جحودا للحق وإنكارا.
قوله تعالى: * (وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا) * سبب نزول هذه الآية وما يتبعها، أن رؤساء قريش، كعتبة، وشيبة، وأبي جهل، وعبد الله بن أبي أمية، والنضر بن الحارث في آخرين، اجتمعوا عند الكعبة، فقال بعضهم لبعض: ابعثوا إلى محمد فكلموه وخاصموه حتى تعذروا فيه، فبعثوا إليه: إن أشراف قومك قد اجتمعوا ليكلموك، فجاءهم سريعا، وكان حريصا على رشدهم، فقالوا: يا محمد، إنا والله لا نعلم رجلا من العرب أدخل على قومه ما أدخلت على قومك، لقد شتمت الآباء، وعبت الدين، وسفهت الأحلام، وفرقت الجماعة، فإن كنت إنما جئت بهذا لتطلب مالا، جعلنا لك من أموالنا ما تكون به أكثر مالا، وإن كنت إنما تطلب الشرف فينا، سودناك علينا، وإن كان هذا الرئي الذي يأتيك قد غلب عليك، بذلنا أموالنا في طلب الطب لك حتى نبرئك منه، أو نعذر فيك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن تقبلوا منى ما جئتكم به، فهو حظكم في الدنيا والآخرة، وإن تردوه علي أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم ". قالوا يا محمد، فإن كنت غير قابل منا ما عرضنا، فقد علمت أنه ليس من الناس أحد أضيق بلادا ولا أشد عيشا منا، سل لنا ربك يسير لنا هذه الجبال التي ضيقت علينا، ويجري لنا أنهارا، ويبعث من مضى من آبائنا،