قوله تعالى: * (ومن كان في هذه أعمى) * قرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر: " أعمى فهو في الآخرة أعمى " مفتوحتي الميم، وقرأ حمزة، والكسائي، وأبو بكر عن عاصم بكسر الميمين.
وقرأ أبو عمرو: " في هذه أعمى " بكسر الميم، " فهو في الآخرة أعمى " بفتحها.
المشار إليها ب * (هذه) * قولان:
أحدهما: أنها الدنيا، قاله مجاهد. ثم في معنى الكلام خمسة أقوال:
أحدها: من كان في الدنيا أعمى عن معرفة قدرة الله في خلق الأشياء، فهو عما وصف له في الآخرة أعمى، رواه الضحاك عن ابن عباس.
والثاني: من كان في الدنيا أعمى بالكفر، فهو في الآخرة أعمى، لأنه في الدنيا تقبل توبته، وفي الآخرة لا تقبل، قاله الحسن.
والثالث: من عمي عن آيات الله في الدنيا، فهو عن الذي غيب عنه من أمور الآخرة أشد عمى.
والرابع: من عمي عن نعم الله التي بينها في قوله [تعالى]: * (ربكم الذي يزجي لكم الفلك في البحر) * إلى قوله: * (تفضيلا) * فهو في الآخرة أعمى عن رشاده وصلاحه، ذكرهما ابن الأنباري.
والخامس: من كان فيها أعمى عن الحجة، فهو في الآخرة أعمى عن الجنة، قاله أبو بكر الوراق.
والثاني: أنها النعم. ثم في الكلام قولان:
أحدهما: من كان أعمى عن النعم التي ترى وتشاهد، فهو في الآخرة التي لم تر أعمى، رواه عكرمة عن ابن عباس. والثاني: من كان أعمى عن معرفة حق الله في هذه النعم المذكورة في قوله تعالى: * (ولقد كرمنا بني آدم) * ولم يؤد شكرها، فهو فيما بينه وبين الله مما يتقرب به إليه أعمى * (وأضل سبيلا) *، قاله السدي. قال أبو علي الفارسي: ومعنى قوله: * (في الآخرة أعمى) * أي: أشد عمى، لأنه كان في الدنيا يمكنه الخروج عن عماه بالاستدلال، ولا سبيل له في الآخرة إلى الخروج من عماه. وقيل: معنى العمى في الآخرة. أنه لا يهتدي إلى طريق الثواب، وهذا كله من عمى القلب.
فإن قيل: لم قال: * (فهو في الآخرة أعمى) * ولم يقل: أشد عمى، لأن العمى خلقة بمنزلة الحمرة، والزرقة، والعرب تقول: ما أشد سواد زيد، وما أبين زرقة عمرو وقلما يقولون:
ما أسود زيدا، وما أزرق عمرا؟