إلى قوله تعالى: * (الحسنى) * على سبب، وفيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تهجد ذات ليلة بمكة، فجعل يقول في سجوده: " يا رحمن، يا رحيم "، فقال المشركون: كان محمد يدعو إلها واحدا، فهو الآن يدعو إلهين اثنين: الله والرحمن، ما نعرف الرحمن إلا رحمن اليمامة، يعنون: مسيلمة، فأنزل الله هذه الآية، قاله ابن عباس.
والثاني: أن رسول الله صلى الله عليه كان يكتب في أول ما أوحي إليه: باسمك اللهم، حتى نزل: * (إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم) * فكتب: بسم الله الرحمن الرحيم، فقال مشركو العرب: هذا الرحيم نعرفه، فما الرحمن؟ فنزلت هذه الآية، قاله ميمون بن مهران.
والثالث: أن أهل الكتاب قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إنك لتقل ذكر الرحمن وقد أكثر الله في التوراة هذا الاسم، فنزلت هذه الآية، قاله الضحاك.
فأما قوله تعالى: * (ولا تجهر بصلاتك) * أي: بقراء تك، فيسمع المشركون فيسبوا القرآن، * (ولا تخافت بها) * عن أصحابك، فلا يسمعون، قاله ابن عباس [أولا].
والثاني: أن الأعرابي كان يجهر في التشهد ويرفع صوته، فنزلت هذه الآية، هذا قول عائشة.
والثالث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي بمكة عند الصفا، فجهر بالقرآن في صلاة الغداة، فقال أبو جهل: لا تفتر على الله، فخفض النبي صلى الله عليه وسلم صوته، فقال أبو جهل للمشركين: ألا ترون ما فعلت بابن أبي كبشة؟! رددته عن قراءته، فنزلت هذه الآية، قاله مقاتل.
فأما التفسير، فقوله تعالى: * (قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن) * المعنى: إن شئتم فقولوا: يا الله، وإن شئتم فقولوا: يا رحمن، فإنهما يرجعان إلى واحد، * (أياما تدعوا) * المعنى: أي أسماء الله تدعوا; قال الفراء: و " ما " قد تكون صلة، كقوله تعالى: * (عما قليل ليصبحن نادمين) *، وتكون في معنى: " أي معادة لما اختلف لفظهما.
قوله تعالى: * (ولا تجهر بصلاتك) * فيه قولان:
أحدهما: أنها الصلاة الشرعية. ثم في المراد بالكلام ستة أقوال: