والثاني: أنه الريح العاصف تحصب، قاله أبو عبيدة، وأنشد للفرزدق:
- مستقبلين شمال الريح تضربهم * بحاصب منه كنديف القطن منثور - وقال ابن قتيبة: الحاصب: الريح، سميت بذلك لأنها تحصب، أي: ترمي بالحصباء، وهي الحصى الصغار. وقال ابن الأنباري: قال اللغويون: الحاصب: الريح التي فيها الحصى. وإنما قال في الريح: * (حاصبا) * ولم يقل: " حاصبة " لأنه وصف لزم الريح ولم يكن لها مذكر تنتقل إليه في حال، فكان بمنزلة قولهم: " حائض " للمرأة، حين لم يقل: رجل حائض. قال: وفيه جواب آخر، وهو أن نعت الريح عري من علامة التأنيث، فأشبهت بذلك أسماء المذكر، كما قالوا: السماء أمطر، والأرض أنبت.
والثالث: أن الحاصب: التراب الذي فيه حصباء، قاله الزجاج.
قوله تعالى: * (ثم لا تجدوا لكم وكيلا) * أي: مانعا وناصرا.
قوله تعالى: * (أم أمنتم أن يعيدكم فيه) * أي: في البحر * (تارة أخرى) * أي: مرة أخرى، والجمع: تارات. * (فيرسل عليكم قاصفا من الريح) * قال أبو عبيدة: هي التي تقصف كل شئ.
قال ابن قتيبة: القاصف: الريح التي تقصف الشجر، أي: تكسره.
قوله تعالى: * (فيغرقكم) * وقرأ أبو المتوكل، وأبو جعفر، وشيبة، ورويس: " فتغرقكم " بالتاء، وسكون الغين، وتخفيف الراء. وقرا أبو الجوزاء، وأيوب: " فيغرقكم " بالياء، وفتح الغين، وتشديدها. وقرأ أبو رجاء مثله، إلا أنه بالتاء * (بما كفرتم) * أي: بكفركم حيث نجوتم في المرة الأولى، * (ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعا) * قال ابن قتيبة: أي: من يتبع بدمائكم، أي: يطالبنا.
قال عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: ريح العذاب أربع، اثنتان في البر، واثنتان في البحر، فاللتان في البر: الصرصر، والعقيم، واللتان في البحر: العاصف، والقاصف.
قوله تعالى: * (ولقد كرمنا بني آدم) * أي: فضلناهم. قال أبو عبيدة: و " كرمنا " أشد مبالغة من " أكرمنا ".
وللمفسرين فيما فضلوا به أحد عشر قولا:
أحدها: أنهم فضلوا على سائر الخلق غير طائفة من الملائكة: جبريل، وميكائيل، وإسرافيل، وملك الموت، وأشباههم، قاله أبو صالح عن ابن عباس. فعلى هذا يكون المراد:
المؤمنين منهم، ويكون تفضيلهم بالإيمان.
والثاني: أن سائر الحيوان يأكل بفيه، إلا ابن آدم فإنه يأكل بيده، رواه ميمون بن مهران