ومعنى الكلام: كادوا يفتنونك، ودخلت " إن " واللام للتوكيد. قال المفسرون: وإنما قال:
" ليفتنونك "، لأن في إعطائهم ما سألوا مخالفة لحكم القرآن.
قوله تعالى: * (لتفتري) * أي: لتختلق * (علينا غيره) * وهو قولهم: قل الله أمرني بذلك، * (وإذا) * لو فعلت ذلك * (لاتخذوك خليلا) * أي: والوك وصافوك.
قوله تعالى: * (ولولا أن ثبتناك) * على الحق، لعصمتنا إياك * (لقد كدت تركن إليهم) * أي: هممت وقاربت أن تميل إلى مرادهم * (شيئا قليلا) * قال ابن عباس: وذلك حين سكت عن جوابهم، والله أعلم بنيته. وقال ابن الأنباري: الفعل في الظاهر للنبي صلى الله عليه وسلم، وفي الباطن للمشركين، وتقديره: لقد كادوا يركنونك إليهم، وينسبون إليك ما يشتهونه مما تكرهه، فنسب الفعل إلى غير فاعله عند أمن اللبس، كما يقول الرجل للرجل: كدت تقتل نفسك اليوم، يريد:
كدت تفعل فعلا يقتلك غيرك من أجله; فهذا المجاز والاتساع وشبيه بهذا قوله [تعالى]: * (فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون) *، وقول القائل: لا أرينك في هذا الموضع.
قوله تعالى: * (إذا لأذقناك) * المعنى: لو فعلت ذلك الشئ القليل * (لأذقناك ضعف الحياة) * أي: ضعف عذاب الحياة * (وضعف) * عذاب * (الممات) *، ومثله قول الشاعر:
واستب بعدك يا كليب المجلس أي: أهل المجلس. وقال ابن عباس: ضعف عذاب الدنيا والآخرة. وكان رسول الله [صلى الله عليه وسلم] معصوما، ولكنه تخويف لأمته، لئلا يركن أحد من المؤمنين إلى أحد من المشركين في شئ من أحكام الله وشرائعه.
قوله تعالى: * (وإن كادوا ليستفزونك من الأرض) * في سبب نزولها قولان:
أحدهما: أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] لما قدم المدينة، حسدته اليهود على مقامه بالمدينة، وكرهوا قربه، فأتوه، فقالوا: يا محمد أنبي أنت؟ قال: نعم، قالوا: فوالله لقد علمت ما هذه بأرض الأنبياء، وأن أرض الأنبياء الشام، فإن كنت نبيا فائت الشام، فنزلت هذه الآية، قاله أبو