- ولا عائدا ذاك الزمان الذي مضى * تباركت ما تقدر يكن ولك الشكر - أراد: ما تقدر، وهذا مذهب الزجاج.
والثاني: فلا فظن أن لن نضيق عليه، ومقدر عليه، ومقتر عليه، ومنه قوله تعالى: * (فقدر عليه رزقه) * أي: ضيق عليه الخروج، فكأنه ظن أن الله تعالى قد وسع عليه، إن شاء أن يقيم، وإن شاء أن يخرج، ولم يؤذن له في الخروج.
والثالث: أن المعنى: أفظن أنه يعجز ربه، فلا يقدر عليه، رواه عوف عن الحسن. وقال ابن زيد، وسليمان التيمي: المعنى: أفظن أن لن نقدر عليه; فعلى هذا الوجه يكون استفهاما قد حذفت ألفه; وهذا الوجه يدل على أنه من القدرة، ولا يتصور إلا مع تقدير الاستفهام، ولا أعلم له وجها إلا أن يكون استفهام إنكار، تقديره: ما ظن عجزنا، فأين يهرب منا؟!
قوله تعالى: * (فنادى في الظلمات) * فيها ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه ظلمة البحر، وظلمة بطن الحوت، وظلمة الليل، قاله سعيد بن جبير، وقتادة، والأكثرون.
والثاني: أن حوتا جاء فابتلع الحوت الذي هو في بطنه، فنادى في ظلمة حوت، ثم في ظلمة حوت، ثم في ظلمة البحر، قاله سال بن أبي الجعد.
والثالث: أنها ظلمة الماء، وظلمة معاء السمكة، وظلمة بطنها، قاله ابن السائب. وقد روى سعد بن أبي وقاص عن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] أنه قال: " إني لأعلم كلمة لا يقولها مكروب إلا فرج الله عنه، كلمة أخي يونس فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين ".
قال الحسن: وهذا اعتراف من يونس بذنبه وتوبة من خطيئته.
قوله تعالى: * (فاستجبنا له) * أي: أجبناه * (ونجيناه من الغم) * أي: من الظلمات * (وكذلك ننجي المؤمنين) * إذا دعونا. وروى أبو بكر عن عاصم أنه قرأ: " نجي المؤمنين " بنون واحدة مشددة الجيم; قال الزجاج: وهذا لحن لا وجه له، وقال أبو علي الفارسي: غلط الراوي عن عاصم، ويدل على هذا إسكانه الياء من " نجي " ونصب " المؤمنين " ولو كان على ما لم يسم فاعله ما سكن الياء، ولرفع " المؤمنين ".