المرأة لتقول: إن ظفرت بكذا لأحتطبن لنار إبراهيم، حتى إذا كان الحطب يساوي رأس الجدار سدوا أبواب الحير وقذفوا فيه النار، فارتفع لهبها، حتى إن كان الطائر ليمر بها فيحترق من شدة حرها، ، ثم بنوا بنيانا شامخا، وبنوا فوقه منجنيقا، ثم رفعوا إبراهيم على رأس البنيان، فرفع إبراهيم رأسه إلى السماء، فقال: اللهم أنت الواحد في السماء، وأنا الواحد في الأرض، ليس في الأرض أحد يعبدك غيري، حسبي الله ونعم الوكيل; فقالت السماء والأرض والجبال والملائكة: ربنا إبراهيم يحرق فيك، فائذن لنا في نصرته; فقال: أنا أعلم به، وإن دعاكم فأغيثوه; فقذفوه في النار وهو ابن ست عشرة سنة، وقيل: ست وعشرين، فقال: " حسبي الله ونعم الوكيل " فاستقبله جبريل، فقال:
يا إبراهيم ألك حاجة؟ قال: أما إليك، فلا، قال: جبريل فسل ربك، فقال: " حسبي من سؤالي علمه بحالي "، فقال الله عز وجل: * (يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم) *، فلم تبق نار على وجه الأرض يومئذ إلا طفئت وظنت انها عنيت. وزعم السدي أن جبريل هو الذي ناداها. وقال ابن عباس: لو لم يتبع بردها سلاما لمات إبراهيم من بردها. قال السدي: فأخذت الملائكة بضبعي إبراهيم فأجلسوه على الأرض، فإذا عين من ماء عذب، وورد أحمر، ونرجس، قال كعب ووهب:
فما أحرقت النار من إبراهيم إلا وثاقه، وأقام في ذلك الموضع سبعة أيام، وقال غيرهما: أربعين أو خمسين يوما، فنزل جبريل بقميص من الجنة وطنفسة من الجنة، فألبسه القميص، وأجلسه على الطنفسة وقعد معه يحدثه. وإن آزر أتى نمرود فقال: أئذن لي أن أخرج عظام إبراهيم فأدفنها، فانطلق نمرود ومعه الناس، فأمر بالحائط فنقب، فإذا إبراهيم في روضة يهتز وثيابه تندى، وعليه القميص وتحته الطنفسة والملك إلى جنبه، فناداه نمرود: يا إبراهيم إن إلهك الذي بلغت قدرته هذا لكبير، هل تستطيع أن تخرج؟ قال: نعم، فقام إبراهيم يمشي حتى خرج، فقال: من الذي رأيت معك؟ قال: ملك أرسله إلى ربي ليؤنسني، فقال نمرود: إني مقرب لإلهك قربانا لما رأيت من قدرته، فقال: إذن لا يقبل الله منك ما كنت على دينك، فقال: يا إبراهيم، لا أستطيع ترك ملكي، ولكن سوف أذبح له، فذبح القربان وكف عن إبراهيم.
قال المفسرون: ومعنى: " كوني بردا " أي: ذات برد، " وسلاما " أي " سلامة. * (وأرادوا به كيدا) * وهو التحريق بالنار * (فجعلناهم الأخسرين) * وهو أن الله تعالى سلط البعوض عليهم حتى أكل لحومهم وشرب دماءهم، ودخلت واحدة في دماغ لا نمرود حتى أهلكته، والمعنى: أنهم كادوه بسوء.
فانقلب السوء عليهم.
قوله تعالى: * (ونجيناه) * أي: من نمرود وكيده * (ولوطا) * وهو ابن أخي إبراهيم، وهو لوط بن هاران بن تارح، وكان قد آمن به، فهاجرا من أرض العراق إلى الشام. وكانت سارة مع إبراهيم في