والسادس: أن الوحي انقطع عنه أربعين يوما، فخاف هجران ربه، فقال: " مسني الضر "، ذكره الماوردي.
فإن قيل: أين الصبر، وهذا لفظ الشكوى؟
فالجواب: أن الشكوى إلى الله لا تنافي الصبر، وإنما المذموم الشكوى إلى الخلق، ألم تسمع قول يعقوب: " إنما أشكو بثي وحزني إلى الله ". قال سفيان بن عيينة: وكذلك من شكا إلى الناس، وهو في شكواه راض بقضاء الله، لم يكن ذلك جزعا، ألم تسمع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل في مرضه: " أجدني مغموما " و " أجدني مكروبا "، وقوله: " بل أنا وا رأساه ".
قوله تعالى: * (وآتيناه أهله) * يعني: أولاده * (ومثلهم معهم) * فيه أربعة أقوال:
أحدها: أن الله تعالى أحيا له أهله بأعيانهم، وآتاه مثلهم معهم في الدنيا، قاله ابن مسعود، والحسن، وقتادة. وروى أبو صالح عن ابن عباس: كانت امرأته ولدت له سبعة بنين وسبع بنات، فنشروا له، وولدت له امرأته سبعة بنين وسبع بنات.
والثاني: أنهم كانوا قد غيبوا عنه ولم يموتوا، فآتاه في الدنيا ومثلهم معهم في الآخرة، رواه هشام عن الحسن.
والثالث: آتاه الله أجور أهله في الآخرة، وآتاه مثلهم في الدنيا، قاله نوف، ومجاهد.
والرابع: آتاه أهله ومثلهم معهم في الآخرة، حكاه الزجاج.
قوله تعالى: * (رحمة من عندنا وذكرى) * أي عظة * (للعابدين) * قال محمد بن كعب: من أصابه بلاء فليذكر ما أصاب أيوب، فليقل: إنه قد أصاب من هو خير مني.
قوله تعالى: * (وذا الكفل) * اختلفوا هل كان نبيا، أم لا؟ على قولين.
أحدهما: أنه لم يكن نبيا، ولكنه كان عبدا صالحا، قاله أبو موسى الأشعري، ومجاهد.
ثم اختلف أرباب هذا القول في علة تسميته بذي الكفل على ثلاثة أقوال:
أحدها: أن رجلا كان يصلي كل يوم مائة صلاة فتوفي، فكفل بصلاته، فسمي: ذا الكفل، قاله أبو موسى الأشعري.
والثاني: أنه تكفل للنبي بقومه أن يكفيه أمرهم ويقيمه ويقضي بينهم بالعدل ففعل، فسمي:
ذا الكفل، قاله مجاهد.
والثالث: أن ملكا قتل ثلاثمائة، وفر منه مائة نبي، فكفلهم ذو الكفل، قاله ابن السائب.