قال المفسرون: فانطلقوا به إلى نمرود، فقال له: * (أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم؟ قال بل فعله كبيرهم هذا) * غضب أن تعبد معه الصغار، فكسرها، * (فاسألوهم إن كانوا ينطقون) * من فعله بهم؟! وهذا إلزام للحجة عليهم بأنهم جماد لا يقدرون على النطق.
واختلف العلماء في وجه هذا القول من إبراهيم عليه السلام على قولين:
أحدهما: وإنه وإن كان في صورة الكذب، إلا أن المراد به التنبيه على أن من لا قدرة له، لا يصلح أن يكون إلها. ومثله قول الملكين لدواد: " إن هذا أخي ". له تسع وتسعون نعجة "، ولم يكن له شئ، فجرى هذا مجرى التنبيه لداود على ما فعل، أنه هو المراد بالفعل والمثل المضروب; ومثل هذا لا تسميه العرب كذبا.
والثاني: أنه من معاريض الكلام; فروي عن الكسائي أنه كان يقف عند قوله [تعالى]: * (بل فعله) * ويقول معناه: فعله مفعله، ثم يبتدئ * (كبيرهم هذا) *. قال الفراء: وقرأ بعضهم: " بل فعله " بتشديد اللام، يريد: بل فعله كبيرهم هذا. وقال ابن قتيبة: هذا من المعاريض، ومعناه:
إن كانوا ينطقون، فقد فعله كبيرهم، وكذلك قوله: * (إني سقيم) * أي: سأسقم، ومثله * (إنك ميت) * أي: ستموت، وقوله: * (لا تؤاخذني بما نسيت) * قال ابن عباس: لم ينس، ولكنه من معاريض الكلام، والمعنى: لا تؤاخذني بنسياني، ومن هذا قصة الخصمين إذ تسوروا المحراب " ومثله * (وإنا أو إياكم لعلى هدى) *، والعرب تستعمل التعريض في كلامها كثيرا، فتبلغ إرادتها بوجه هو ألطف من الكشف وأحسن من التصريح. وروي أن قوما من الأعراب خرجوا يمتارون، فلما صدروا، خالف رجل في بعض الليل إلى عكم صاحبه، فأخذ منه برا وجعله في عكمه، فلما أراد الرحلة وقاما يتعاكمان، رأى عكمه يشول، وعكم صاحبه يثقل، فأنشأ يقول: