لأكيدن أصنامكم بعد أن تولوا مدبرين " 57 " فجعلهم جذاذا إلا كبيرا لهم لعلهم إليه يرجعون " 58 " قوله تعالى * (ولقد آتينا إبراهيم رشده) * أي: هداه * (من قبل) * وفيه ثلاثة أقوال:
أحدها: من قبل بلوغه، قاله أبو صالح عن ابن عباس.
والثاني: آتيناه ذلك في العلم السابق، قاله الضحاك عن ابن عباس.
والثالث: من قبل موسى وهارون، قاله الضحاك. وقد أشرنا إلى قصة إبراهيم في الأنعام.
قوله تعالى: * (وكنا به عالمين) * أي: علمنا أنه موضع لإيتاء الرشد. ثم بين متى آتاه فقال:
* (إذ قال لأبيه وقومه ما هذه التماثيل) * يعني: الأصنام: والتمثال: اسم للشيء المصنوع مشبها بخلق من خلق الله تعالى، وأصله من مثلث الشئ بالشيء إذا شبهته به وفي قوله تعالى: * (التي أنتم لها) * أي: على عبادتها * (عاكفون) * أي: مقيمون، فأجابوه أنهم رأوا آباءهم في ضلال مبين، * (قالوا أجئتنا بالحق) *. يعنون: أجاد أنت، أم لاعب؟!
قوله تعالى: * (لأكيدن أصنامكم) * الكيد: احتيال الكائد في ضر المكيد. والمفسرون يقولون: لأكيدنها بالكسر * (بعد أن تولوا) * أي: تذهبوا عنها، وكان لهم عيد في كل سنة يخرجون إليه ولا يخلفون بالمدينة أحدا، فقالوا لإبراهيم: لو خرجت معنا إلى عيدنا أعجبك ديننا، فخرج معهم، فلما كان ببعض الطريق، قال: إني سقيم، وألقى نفسه، وقال سرا منهم: " وتالله لأكيدن أصنامكم "، فسمعه رجل منهم، فأفشاه عليه، فرجع إلى بيت الأصنام، وكانت - فيما ذكره مقاتل ابن سليمان - اثنين وسبعين صنما من ذهب وفضة ونحاس وحديد وخشب، فكسرها، ثم وضع الفأس في عنق الصنم الكبير، فذلك قوله: * (فجعلهم جذاذا) * قرأ الأكثرون: " جذاذا " بضم الجيم. وقرأ أبو بكر الصديق، وابن مسعود، وأبو رزين، وقتادة، وابن محيصن، والأعمش، والكسائي: " جذاذا " بكسر الجيم. وقرأ أبو رجاء العطاردي، وأيوب السختياني، وعاصم الجحدري: " جذاذا " بفتح الجيم. وقرأ الضحاك، وابن يعمر: " جذذا " بفتح الجيم من غير ألف.
مستأصلين، قال جرير.
- بني المهلب جذ الله دابرهم * أمسوا رمادا فلا أصل ولا طرف - أي: لم يبق منهم شئ ولفظ " جذاذ " يقع على الواحد والاثنين والجميع من المذكر