والثاني: ليريه أن الذي أبعثك إليه دون ما أريتك، فكما ذللت لك الأعظم وهو الحية، أذلل لك الأدنى.
ثم إن الله تعالى أمره بأخذها وهي على حالها حية، فوضع يده عليها فعادت عصا، فذلك قوله: * (سنعيدها سيرتها الأولى) * قال الفراء: طريقتها، يقول: تردها عصى كما كانت، قال الزجاج: " وسيرتها " منصوبة على اسقاط الخافض وإفضاء الفعل إليها، المعنى: سنعيدها إلى سيرتها.
فإن قيل: إنما كانت العصا واحدة، وكان إلقاؤها مرة، فما وجه اختلاف الأخبار عنها، فإنه يقول في الأعراف * (فإذا هي ثعبان مبين) *، وهاهنا: " حية " وفي مكان آخر: * (كأنها جان) * ليست بالعظيمة، والثعبان أعظم الحيات؟
فالجواب: أن صفتها بالجان عبارة عن ابتداء حالها، وبالثعبان إخبار عن انتهاء حالها، والحية اسم يقع على الصغير والكبير والذكر والأنثى. وقال الزجاج: خلقها خلق الثعبان العظيم، واهتزازها وحركتها وخفتها كاهتزاز الجان.
قوله تعالى: * (واضمم لأنه يدك إلى جناحك) * قال الفراء: الجناح من أسفل العضد إلى الإبط.
وقال أبو عبيدة: الجناح ناحية الجنب، وانشد:
أضمه للصدر والجناح قوله تعالى: * (تخرج بيضاء من غير سوء) * أي: من غير برص * (آية أخرى) * أي: دلالة على صدقك سوى العصا. قال الزجاج: ونصب " آية " على معنى: آتيناك آية، أو نؤتيك.
قوله تعالى: * (لنريك من آياتنا الكبرى) *.
إن قيل: لم لم يقل: " الكبر "؟ فعنه ثلاثة أجوبة:
أحدها: أنه كقوله: * (مآرب أخرى) * وقد شرحناه، هذا قول الفراء.
والثاني: أن فيه إضمارا تقديره: لنريك من آياتنا الآية الكبرى. وقال أبو عبيدة: فيه تقديم وتأخير، تقديره: لنريك الكبرى من آياتنا.
والثالث: أنه إنما كان ذلك لوفاق رأس الآي، حكى القولين الثعلبي.