والثالث: أنه قدس مرتين، قاله الحسن وقتادة.
قوله تعالى: * (وأنا اخترتك) * أي: اصطفيتك، وقرأ حمزة، والمفضل: " وأنا " بالنون المشددة " اخترناك " بألف. * (فاستمع لما يوحى) * أي: للذي يوحى، قال ابن الأنباري: الاستماع هاهنا محمول على الإنصات. المعنى: فأنصت لوحيي، والوحي هاهنا قوله: * (إني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني) * أي: وحدني، * (وأقم الصلاة لذكري) * فيه قولان:
أحدهما: أقم الصلاة متى ذكرت أن عليك صلاة، سواء كنت في وقتها أو لم تكن، هذا قول الأكثرين. ورى أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من نسي صلاة فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها غير ذلك، وقرأ: * (أقم الصلاة لذكري) * ".
والثاني: أقم الصلاة لتذكرني فيها، قاله مجاهد: وقيل: إن الكلام مردود على قوله:
* (فاستمع) *، فيكون المعنى: فاستمع لما يوحى، واستمع لذكري. وقرأ ابن مسعود، وأبي بن كعب، وابن السميفع: " وأقم الصلاة للذكرى " بلامين وتشديد الذال.
قوله تعالى: * (أكاد أخفيها) * أكثر القراء على ضم الألف.
ثم في معنى الكلام ثلاثة أقوال:
أحدها: أكاد أخفيها من نفسي، قاله ابن عباس، وسعيد بن جبير، ومجاهد في آخرين. وقرأ ابن سعود، وأبي كعب، ومحمد بن علي: أكاد أخفيها من نفسي، قال الفراء: المعنى: فكيف أظهركم عليها؟ قال المبرد: وهذا على عادة العرب، فإنهم يقولون إذا بالغوا في كتمان الشئ:
كتمته حتى من نفسي، أي: لم أطلع عليه أحدا.
والثاني: أن الكلام تم عند قوله: " أكاد "، وبعده مضمر تقديره: أكاد آتي بها والابتداء:
أخفيها، قال ضابئ البرجمي:
هممت ولم أفعل وكدت أراد: كدت أفعل.
والثالث: أن معنى " أكاد ": أريد، قال الشاعر:
- كادت وكدت وتلك خير إرادة * لو عاد من لهو الصبابة ما مضى - معناه: أرادت وأردت، ذكرهما ابن الأنباري.
فإن قيل: فما فائدة هذا الاخفاء الشديد؟
فالجواب: أنه للتحذير والتخويف، ومن لم يعلم متى يهجم عليه عدوه كان أشد حذرا. وقرأ