اعترفت بأنه ماء؟ فتثبت عليه الحجة، هذا قول الزجاج. فعلى هذا تكون الفائدة أنه قرر موسى أنها عصا لما أراد أن يريه من قدرته في انقلابها حية، فوقع المعجز بها بعد التثبت في أمرها.
والثاني: أنه لما اطلع الله تعالى على ما في قلب موسى من الهيبة والإجلال حين التكليم، أراد أن يؤانسه ويخفف عن ثقل ما كان فيه من الخوف، فأجرى هذا الكلام للاستئناس، حكاه أبو سليمان الدمشقي.
فإن قيل: قد كان يكفي في الجواب أن يقول: " هي عصاي " فما الفائدة في قوله: " أتوكأ عليها " إلى آخر الكلام، وإنما يشرح هذا لمن لا يعلم فوائدها؟ فعنه ثلاثة أجوبة:
أحدها: أنه أجاب بقوله: " هي عصاي " فقيل له: ما تصنع بها؟ فذكر باقي الكلام جوابا عن سؤال ثان، قاله ابن عباس، ووهب.
والثاني: أنه إنما أظهر فوائدها، وبين حاجته إليها، خوفا أن يأمره بإلقائها كالنعلين، قاله سعيد بن جبير.
والثالث: أنه بين منافعها لئلا يكون عابثا بحملها، قاله الماوردي.
فإن قيل: فلم اقتصر على ذكر بعض منافعها ولم يطل الشرح؟ فعنه ثلاثة أجوبة:
أحدها: أنه كره ان يشتغل عن كلام الله بتعداد منافعها.
والثاني: أنه استغنى بعلم الله فيها عن كثرة التعداد.
والثالث: أنه اقتصر على اللازم دون العارض.
وقيل: كانت تضيء له بالليل، وتدفع عنه الهوام، وتثمر له إذا اشتهى الثمار.
وفي جنسها قولان:
أحدهما: أنها كانت من آس الجنة، قاله ابن عباس.
والثاني: أنها كانت من عوسج.
فإن قيل: المآرب جمع، فكيف قال: " أخرى " ولم يقل: " أخر "؟
فالجواب: أن المآرب في معنى جماعة، فكأنه قال: جماعة من الحاجات أخرى، قاله الزجاج.
قوله تعالى: * (قال ألقها يا موسى) * قال المفسرون: ألقاها، ظنا منه أنه قد أمر برفضها، فسمع حسا فالتفت فإذا هي كأعظم ثعبان تمر بالصخرة العظيمة فتبتلعها، فهرب منها.
وفي وجه الفائدة في إظهار هذه الآية ليلة المخاطبة قولان:
أحدهما: لئلا يخاف منها إذا ألقاها بين يدي فرعون.