لكم الأرض مهدا وسلك لكم فيها سبلا وأنزل من السماء ماء فأخرجنا به أزواجا من نبات شتى " 53 " كلوا وارعوا أنعامكم إن في ذلك لآيات لأولي النهي " 54 " * منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى " 55 " قوله تعالى: * (قال فمن ربكما) * في الكلام محذوف معناه معلوم، وتقديره: فأتياه فأديا الرسالة. قال الزجاج: وإنما لم يقل: فأتياه، لأن في الكلام دليلا على ذلك، لأن قوله: " فمن ربكما " يدل على أنهما أتياه وقالا له.
قوله تعالى: * (أعطي كل شئ خلقه) * فيه ثلاثة أقوال:
أحدهما: أعطى كل شئ صورته، فخلق كل جنس من الحيوان على غير صورة جنسه، فصوره ابن آدم لا كصورة البهائم، وصورة البعير لا كصورة الفرس، روى هذا المعنى الضحاك عن ابن عباس، وبه قال مجاهد، وسعيد بن جبير.
والثاني: أعطى كل ذكر زوجه مثله، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس، وبه قال السدي، فيكون المعنى: أعطى كل حيوان ما يشاكله.
والثالث: أعطى كل شئ ما يصلحه، قاله قتادة.
وفي قوله: * (ثم هدى) * ثلاثة أقوال:
أحدها: هدى كيف يأتي الذكر الأنثى، رواه الضحاك عن ابن عباس، وبه قال ابن جبير.
والثاني: هدى للمنكح والمطعم والمسكن، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس.
والثالث: هدى كل شئ إلى معيشته، قاله مجاهد. وقرأ عمر بن الخطاب، وابن عباس، والأعمش، وابن السميفع، ونصير عن الكسائي: " أعطى كل شئ خلقه " بفتح اللام.
فإن قيل: ما وجه الاحتجاج على فرعون من هذا؟
فالجواب: أنه قد ثبت وجود خلق وهداية، فلا بد من خالق وهاد.
قوله تعالى: * (قال فما بال القرون الأولى) * اختلفوا فيما سأل عنه من حال القرون الأولى على ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه سأله عن أخبارها وأحاديثها، ولم يكن له بذلك علم، إذ التوراة إنما نزلت عليه بعد هلاك فرعون، فقال: * (علمها عند ربي) *، هذا مذهب مقاتل. وقال غيره: أراد: إني رسول، وأخبار الأمم علم غيب، فلا علم لي بالغيب.