عاهدتكم وأنتم تعلمون، وهو الإيمان والتصديق المذكوران قلبا ولسانا في الآية الثانية، وأوفوا بعهدي الذي عاهدتكم، فربما كانت الملوك منهم كما كانوا عنهم - على ما قيل، وأشرنا إليه في ذكر النعم عليهم - ولا بأس بالإطلاق، والمعروف هو الأول.
وفي قوله تعالى: * (وإياي فارهبون) * أيضا دلالة على دار الجزاء، إلا أنها كما يجوز أن تكون هذه الدنيا، يجوز أن تكون الآخرة، فإن الخوف منه تعالى هنا ينتهي إلى التعذيب الدنيوي، كحدوث الزلازل والطوفان وطغيان الناس عليهم وغير ذلك، وفي الآخرة ينتهي إلى جهنم والجحيم والنار - نعوذ بالله تعالى منها - فإنها من غضب الله، بخلاف ما في الدنيا، فإنه نعمة منه تعالى.
ومما ذكرنا يظهر: أن الأنسب كون العهد في الجملتين من ناحية الله، لأنه قال: * (لا ينال عهدي الظالمين) * (1)، ولأنه أرسل إليهم الرسل والكتب المشتملة على القرارات والمقررات، حفظا للنظام والسياسة الجزئية والكلية.
فما في كتب القوم من التفصيل، أو قول التفتازاني: من كون العهد من قبل الخلق (2)، خال عن التحصيل جدا. وفي قوله تعالى: * (أنزلت) * أيضا دلالة على صحة نسبة الأفعال والأشياء إليه تعالى، مع أنه قال تعالى: * (نزل به الروح الأمين) * (3)، والنسبة في الآيتين حقيقة، إلا أنها