مع بعض القبائح وإن كان صغيرا، لأن أول ما في ذلك أنه ترك المعلوم من مذهبهم في أن الصغائر لا يقدح في العدالة، فكيف نسوا ذلك هاهنا؟ للغفلة أم عنادا أم رغبة عنه، والغفلة والعناد لا يليقان بالمحققين من العلماء لا سيما منتحلي الحذق والتحقيق والتدقيق، والرغبة عنه توجب عليهم نفي عدالة الأنبياء والأئمة وإجماع الأمة، لاتفاقهم على صحة الصغائر منهم ووقوعها من أكثرهم، وذلك ضلال، فلم يبق إلا تمسكهم بأن الصغائر لا يقدح في العدالة فتسقط الشبهة، ويلزمهم الحكم بكبر كل معصية منعت من العدالة، فإذا كانت الأمة وهم من جملتهم ينفون عدالة من أثر بعض القبائح فعلا وإخلالا كحكمهم ذلك في معاصي الحدود وجب عليهم أن يحكموا بكبر الجميع.
وبعد فليس بين التعديل والتفسيق... إما أن يثبت الفسق فتنتفي العدالة ويتبعها رد... أو يجهل ما يقتضي أحد الأمرين فيتوقف على البيان... من دين الأمة ووجدناها ترد شهادة من علمته مرتكبا... كفعلها مثل ذلك في الزاني و القاذف دل ذلك على... وكون ما أتاه كبيرا لاتفاقنا جميعا على أن طريق إثبات أسماء أهل الطاعة أو المعصية السمع دون العقل والاجماع آكد دلالة السمع غير إشكال.
إن قيل: فإذا كان الوعيد ثابتا بكل معصية ومن جملته صريح الخلود والتأبيد وكيف يتم لكم ما تذهبون إليه من انقطاع عقاب بعض العصاة؟
قيل: ثبوت الوعيد على كل معصية لا ينافي قولنا في عصاة أهل القبلة، لأنا نقول بموجبه، وإنما نمنع من دوامه لغير الكفار، وثبوته منقطعا يجوز سقوطه بأحد ما ذكرناه لا يمنع منه إجماع ولا ظاهر قرآن، من حيث كان الإجماع حاصلا باستحقاق العقاب وسمة الفسق في العاجل دون دوامه وفعله في الأجل، وإنما يعلم به دوام عقاب الكفر وفعله في الآخرة.