وبعد فإذا كان وعيد من ثبت إيمانه على القبيح وسلبه سمة الإيمان وحكمه فرعا لثبوت كبائر معينة يزيد عقابها على ثوابه وكانوا يجيزون فيما عدا معاصي الحدود كونه صغيرا وكنا ومن سبقنا من السلف رضي الله عنهم قد بينا في كتابنا وغيره وبينوا أن ثبوت الحد على المعصية لا يقتضي تزايد عقابها على ثواب الإيمان لتجويز كون الحد امتحانا أو قسطا من عقابه أو جميعه مع ثبوت ثوابه، تعذر طريق العلم باثبات شئ من المعاصي كبيرا، واقتضى ذلك فساد ما يذهبون إليه من التحابط المتفرع عليه، وسقط مذهبهم في الوعيد وأسماء العصاة إليه...
إلزام آخر يقال لهم: إذا كنتم... بوعيدها وحكم على فاعلها...
على معاصي الحدود دون سائرها... الفسق ونفي العدالة بفعلها... والقذف لأنه تعالى قد نص على عقاب أكل مال اليتيم والفرار من الزحف والحكم بغير ما أنزل الله تعالى وفعل الربا وسائر المحرمات وترك الصلاة والحج ومنع الزكاة وسائر الفرائض، وأجمع المسلمون به وطابق إجماعها قوله تعالى:
" ومن يعمل سوء يجز به " (1) فعم بالجزاء كل شئ، وقوله تعالى: " ومن يعص الله ورسوله... الآية " (2) فعم كل عاص بالوعيد، وقوله تعالى: " ومن يظلم منكم نذقه عذابا كبيرا " (3) وهذا متناول لقليل الظلم وكثيره، وأمثال ذلك من وعيد القرآن الوارد مورد معاصي الحدود. وأجمع المسلمون على تفسيق من وقع منه بعض القبائح وذمه ونفي عدالته ورد شهادته وكراهية مناكحته وإبطال عقد النكاح عند كثير منهم، ومنع آخرون الصلاة خلفه كاجماعهم