وأيضا فإن وجوب التحرز من الضرر يقتضي وجوب التحرز من الأعظم بالأقل، وذلك يقتضي صبره على ضرر القتل ليدفع به عظيم ضرر عقاب القبيح لانغماره في جنبه.
وأيضا فكما نعلم وجوب التحرز من الضرر نعلم وجوب تحمل الضرر لاجتلاب ما زاد عليه من النفع، فالقتل وإن كان ضررا ففي مقابلته نفع يوازيه وهو العوض المستحق على القاتل، ونفع عظيم وهو الثواب على اجتناب القبيح وتحمل ألم القتل وذلك مقتض لوجوبهما.
إن قيل: تراكم قد فصلتم بين فرض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبين سائر الشرعيات لسقوط فرضهما بخوف أدنى ضرر ولزوم فرض الشرعيات مع كل ضرر دون النفس، فما الوجه في ذلك؟
قيل: لا يجوز حمل الفرائض الشرعية بعض (1) على بعض في لزوم أو سقوط، لكونها معلقة بما يعلم (2) سبحانه للمكلف من الصلاح المختص بزمان دون زمان، وبشرط دون شرط، وبمكلف دون مكلف، بل يجب الحكم لكل منها بحسب ما قرره الشرع، وقد علمنا بإجماع الأمة وقوف فرض الأمر والنهي على الشروط التي بيناها وتميز الشرعيات منه ووجوبها من دون ذلك، فلا يصح الجمع بين التكليفين مع وضوح التعبد بفرقان ما بينهما.
وأيضا فإن المقصود من الأمر والنهي مع ما فيه من لطف الأمر والناهي وقوع الواجب من الغير وارتفاع القبيح، فإذا صار سببا لوقوع القبيح منه قبح فعلهما من حيث قبح من المكلف إيثار القبيح لأن لا يختاره غيره، كما يقبح دفع الضرر عن الغير بإدخاله على أنفسنا.