وليست هذه حال ما كلفه العاقل من فعل الفرائض واجتناب المحرمات الشرعيات ابتداء لأنه غير ممتنع لزومها له وإن خاف على نفسه، ولا يكون ما يفعله من واجب أو يجتنبه من قبيح مفسدة لأجل ما يختاره غيره من القبيح بظلمه، من حيث كان علمه بوجوب الفرائض عليه وقبح القبائح على كل حال ومع كل خوف دون القتل ومع خوفه في القبائح المخصوصة يؤمنه من كون شئ منها مفسدة ويكون ذلك دلالة له (1) أن هذا المختار للقبيح، عند امتثاله ما كلفه فعلا واجتنابا لا بد أن يختاره، وقع منه الامتثال أم لا، لولا هذا لسقطت سائر العبادات وحسنت جميع القبائح الشرعيات عند ظن مكلفها إيثار غيره بعض القبائح، والمعلوم خلاف ذلك.
يوضح ذلك من امتثل ما كلفه من فعل الواجب واجتناب القبائح مع خوف الضرر لا يخلو أن يقع به ذلك الضرر أم لا فإن لم يقع فقد تجرد تكليفه من المفسدة بغير شبهة، وإن وقع فباختيار الظالم وقع، ووقوعه في الوقت الذي وقع فيه كاشف عن كونه معلوما له تعالى، وما تعلق العلم بوقوعه في وقت معين لا بد من وقوعه فيه، وذلك برهان واضح على أن طاعة هذا المظلوم ليست لطفا في ظلم غيره، ولا يلزم مثل ذلك مع خوف القتل لما بيناه من حصول الاتفاق على تأثيره في التكليفين، وكون ذلك دلالة على تغير المصلحة والمفسدة، وحالنا فيما دونه بخلاف ذلك فافترق الأمران.
وهذا يسقط اعتراض من يقول: أليس الجهاد عندكم من قبيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد يحسن فعله ويجب مع حصول الظن بل العلم بوقوع قبيح لولا الجهاد لم يحصل، لأن الجهاد في الحقيقة من جملة العبادات الشرعية كالصلاة وإقامة الحدود التي قرر الشرع وجوبهما وإن وقع عندهما قبيح