نافع في التثبت وقدم شريك على الثوري في حديثين وسفيان مقدم عليه في جملة أحاديث ثم أسند عن أبي هريرة قال لا بأس بالشرب قائما قال الأثرم فدل على أن الرواية عنه في النهي ليست ثابتة وإلا لما قال لا بأس به قال ويدل علي وهذه أحاديث النهي أيضا اتفاق العلماء على أنه ليس لأحد شرب قائما أن يستقي المسلك الثاني دعوى النسخ وإليها جنح الأثرم وابن شاهين فقررا على أن أحاديث النهي على تقدير ثبوتها منسوخة بأحاديث الجواز بقرينة عمل الخلفاء الراشدين ومعظم الصحابة والتابعين بالجواز وقد عكس ذلك ابن حزم فادعى نسخ أحاديث الجواز بأحاديث النهي متمسكا بأن الجواز على وفق الأصل وأحاديث النهي مقررة لحكم الشرع فمن ادعى الجواز بعد النهي فعليه البيان فإن النسخ لا يثبت بالاحتمال وأجاب بعضهم بأن أحاديث الجواز متأخرة لما وقع منه صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع كما تقدم ذكره في حديث الباب عن ابن عباس وإذا كان ذلك الأخير من فعله صلى الله عليه وسلم دل على الجواز ويتأيد بفعل الخلفاء الراشدين بعده المسلك الثالث الجمع بين الخبرين بضرب من التأويل فقال أبو الفرج الثقفي المراد بالقيام هنا المشي يقال قام في الأمر إذا مشى فيه وقمت في حاجتي إذا سعيت فيها وقضيتها ومنه قوله تعالى إلا ما دمت عليه قائما أو مواظبا بالمشي عليه وجنح الطحاوي إلى تأويل آخر وهو حمل النهي على من لم يسم عند شربه وهذا إن سلم له في بعض ألفاظ الأحاديث لم يسلم له في بقيتها وسلك آخرون في الجمع حمل أحاديث النهي على كراهة التنزيه وأحاديث الجواز على بيانه وهي طريقة الخطابي وابن بطال في آخرين قال الحافظ وهذا أحسن المسالك وأسلمها وأبعدها من الاعتراض وقد أشار الأثرم إلى ذلك أخيرا فقال إن ثبتت الكراهة حملت على الارشاد والتأديب لا على التحريم وبذلك جزم الطبري وأيده بأنه لو كان جائزا ثم حرمه أو كان حراما ثم جوزه لبين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بيانا واضحا فلما تعارضت الأخبار بذلك جمعنا بينهما بهذا وقيل إن النهي عن ذلك إنما هو من جهة الطب مخافة وقوع ضرر به فإن الشرب قاعدا أمكن وأبعد من الشرق وحصول الوجع في الكبد أو الحلق وكل ذلك قد لا يأمن منه من شرب قائما انتهى كلام الحافظ وقال النووي الصواب أن النهي فيها محمول على كراهة التنزيه وأما شربه صلى الله عليه وسلم قائما فبيان للجواز فلا إشكال ولا تعارض وهذا الذي ذكرناه يتعين المصير إليه وأما من زعم نسخا أو غيره فقد غلط غلطا فاحشا وكيف يصار إلى النسخ مع إمكان الجمع بين الأحاديث لو ثبت
(٥)