عن شئ مباح فيقع التحريم بسبب المسئلة وقد ثبت في الصحيح أعظم المسلمين جرما من سأل عن شئ لم يحرم فحرم من أجل مسئلته وقد استمر جماعة من السلف على كراهة السؤال عما لم يقع لكن عمل الأكثر على خلافه فلا يحصى ما فرعه الفقهاء من المسائل قبل وقوعها وفيه أن الصحابة كانوا يسألون عن الحكم الذي لم ينزل فيه وحى وفيه أن للعالم إذا كره السؤال أن يعيبه ويهجنه وأن من لقى شيئا من المكروه بسبب غيره يعاتبه عليه وأن المحتاج إلى معرفة الحكم لا يرده كراهة العالم لما سأل عنه ولا غضبه عليه ولا جفاؤه له بل يعاود ملاطفته إلى أن يقضى حاجته وأن السؤال عما يلزم من أمور الدين مشروع سرا وجهرا وأن لا عيب في ذلك على السائل ولو كان مما يستقبح وفيه التحريض على التوبة والعمل بالستر وانحصار الحق في أحد الجانبين عند تعذر الواسطة لقوله أن أحدكما كاذب وأن الخصمين المتكاذبين لا يعاقب واحد منهما وان أحاط العلم بكذب أحدهما لا بعينه وفيه أن اللعان إذا وقع سقط حد القذف عن الملاعن للمرأة وللذي رميت به لأنه صرح في بعض طرقه بتسمية المقذوف ومع ذلك لم ينقل أن القاذف حد قال الداودي لم يقل به مالك لأنه لم يبلغه الحديث ولو بلغه لقال به وأجاب بعض من قال يحد من المالكية والحنفية بأن المقذوف لم يطلب وهو حقه فلذلك لم ينقل أن القاذف حد لان الحد سقط من أصله باللعان وذكر عياض أن بعض أصحابهم اعتذر عن ذلك بأن شريكا كان يهوديا وقد بينت ما فيه في باب يبدأ الرجل بالتلاعن وفيه أنه ليس على الامام أن يعلم المقذوف بما وقع من قاذفه وفيه أن الحامل تلاعن قبل الوضع لقوله في الحديث انظروا فان جاءت به الخ كما تقدم في حديث سهل وفى حديث ابن عباس وعند مسلم من حديث ابن مسعود فجاء يعنى الرجل هو وامرأته فتلاعنا فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعلها أن تجئ به أسود جعدا فجاءت به أسود جعدا وبه قال الجمهور خلافا لمن أبى ذلك من أهل الرأي معتلا بأن الحمل لا يعلم لأنه قد يكون نفخة وحجة الجمهور أن اللعان شرع لدفع حد القذف عن الرجل ودفع حد الرجم عن المرأة فلا فرق بين أن تكون حاملا أو حائلا ولذلك يشرع اللعان مع الآيسة وقد اختلف في الصغيرة فالجمهور على أن الرجل إذا قذفها فله أن يلتعن لدفع حد القذف عنه دونها واستدل به على أن لا كفارة في اليمين الغموس لأنها لو وجبت لبينت في هذه القصة وتعقب بأنه لم يتعين الحانث وأجيب بأنه لو كان واجبا لبينه مجملا بأن يقول مثلا فليكفر الحانث منكما عن يمينه كما أرشد أحدهما إلى التوبة وفى قوله عليه السلام البينة والا حد في ظهرك دلالة على أن القاذف لو عجز عن البينة فطلب تحليف المقذوف لا يجاب لان الحصر المذكور لم يتغير منه الا زيادة مشروعية اللعان وفيه جواز ذكر الأوصاف المذمومة عند الضرورة الداعية إلى ذلك ولا يكون ذلك من الغيبة المحرمة واستدل به على أن اللعان لا يشرع الا لمن ليست له بينة وفيه نظر لأنه لو استطاع إقامة البينة على زناها ساغ له أن يلاعنها لنفى الولد لأنه لا ينحصر في الزنا وبه قال مالك والشافعي ومن تبعهما وفيه أن الحكم يتعلق بالظاهر وأمر السرائر موكول إلى الله تعالى قال ابن التين وبه احتج الشافعي على قبول توبة الزنديق وفيه نظر لان الحكم يتعلق بالظاهر فيما لا يتعلق فيه حكم للباطن والزنديق قد علم باطنه بما تقدم فلا يقبل منه ظاهر ما يبديه بعد ذلك كذا قال وحجة الشافعي ظاهرة لأنه صلى الله عليه وسلم قد تحقق أن أحدهما كاذب وكان قادرا
(٤٠٧)