الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم وقد تقدم في الباب الأول من كتاب النكاح تسمية من أراد ذلك مع عثمان بن مظعون ومن وافقه وكان عثمان من السابقين إلى الاسلام وقد تقدمت قصته مع لبيد بن ربيعة في كتاب المبعث وتقدمت قصة وفاته في كتاب الجنائز وكانت في ذي الحجة سنة اثنتين من الهجرة وهو أول من دفن بالبقيع وقال الطيبى قوله ولو أذن له لاختصينا كان الظاهر أن يقول ولو أذن له لتبتلنا لكنه عدل عن هذا الظاهر إلى قوله لاختصينا لإرادة المبالغة أي لبالغنا في التبتل حتى يفضى بنا الامر إلى الاختصاء ولم يرد به حقيقة الاختصاء لأنه حرام وقيل بل هو على ظاهره وكان ذلك قبل النهى عن الاختصاء ويؤيده توارد استئذان جماعة من الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك كأبى هريرة وابن مسعود وغيرهما وانما كان التعبير بالخصاء أبلغ من التعبير بالتبتل لان وجود الآلة يقتضى استمرار وجود الشهوة ووجود الشهوة ينافي المراد من التبتل فيتعين الخصاء طريقا إلى تحصيل المطلوب وغايته أن فيه ألما عظيما في العاجل يغتفر في جنب ما يندفع به في الآجل فهو كقطع الإصبع إذا وقعت في اليد الأكلة صيانة لبقية اليد وليس الهلاك بالخصاء محققا بل هو نادر ويشهد له كثرة وجوده في البهائم مع بقائها وعلى هذا فلعل الراوي عبر بالخصاء عن الجب لأنه هو الذي يحصل المقصود والحكمة في منعهم من الاختصاء إرادة تكثير النسل ليستمر جهاد الكفار والا لو أذن في ذلك لأوشك تواردهم عليه فينقطع النسل فيقل المسلمون بانقطاعه وتكثر الكفار فهو خلاف المقصود من البعثة المحمدية * الحديث الثاني (قوله جرير) هو ابن عبد الحميد وإسماعيل هو ابن أبي خالد وقيس هو ابن أبي حازم وعبد الله هو ابن مسعود وقد تقدم قبل بباب من وجه آخر عن إسماعيل بلفظ عن ابن مسعود ووقع عند الإسماعيلي من طريق عثمان بن أبي شيبة عن جرير بلفظ سمعت عبد الله وكذا لمسلم من وجه آخر عن إسماعيل (قوله الا نستخصي) أي ألا نستدعى من يفعل بنا الخصاء أو نعالج ذلك بأنفسنا وقوله فنهانا عن ذلك هو نهى تحريم بلا خلاف في بني آدم لما تقدم وفيه أيضا من المفاسد تعذيب النفس والتشويه مع ادخال الضرر الذي قد يفضى إلى الهلاك وفيه ابطال معنى الرجولية وتغيير خلق الله وكفر النعمة لان خلق الشخص رجلا من النعم العظيمة فإذا أزال ذلك فقد تشبه بالمرأة واختار النقص على الكمال قال القرطبي الخصاء في غير بني آدم ممنوع في الحيوان الا لمنفعة حاصلة في ذلك كتطييب اللحم أو قطع ضرر عنه وقال النووي يحرم خصاء الحيوان غير المأكول مطلقا واما المأكول فيجوز في صغيره دون كبيره وما أظنه يدفع ما ذكره القرطبي من إباحة ذلك في الحيوان الكبير عند إزالة الضرر (قوله ثم رخص لنا) في الرواية السابقة في تفسير المائدة ثم رخص لنا بعد ذلك (قوله أن ننكح المرأة بالثوب) أي إلى أجل في نكاح المتعة (قوله ثم قرأ) في رواية مسلم ثم قرأ علينا عبد الله وكذا وقع عند الإسماعيلي في تفسير المائدة (قوله يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم الآية) ساق الإسماعيلي إلى قوله المعتدين وظاهر استشهاد ابن مسعود بهذه الآية هنا يشعر بأنه كان يرى بجواز المتعة فقال القرطبي لعله لم يكن حينئذ بلغه الناسخ ثم بلغه فرجع بعد (قلت) يؤيده ما ذكره الإسماعيلي أنه وقع في رواية أبى معاوية عن إسماعيل بن أبي خالد ففعله ثم ترك ذلك قال وفى رواية لابن عيينة عن إسماعيل ثم جاء تحريمها بعد وفى رواية معمر عن إسماعيل ثم نسخ وسيأتى مزيد البحث في حكم المتعة بعد أربعة
(١٠٢)