وهذه المسئلة من الخلافيات الشهيرة وللعلماء فيها مذاهب الوقوع مطلقا وعدم الوقوع مطلقا والتفصيل بين ما إذا عين أو عمم ومنهم من توقف فقال بعدم الوقوع الجمهور كما تقدم وهو قول الشافعي وابن مهدى وأحمد واسحق وداود وأتباعهم وجمهور أصحاب الحديث وقال بالوقوع مطلقا أبو حنيفة وأصحابه وقال بالتفصيل ربيعة والثوري والليث والأوزاعي وابن أبي ليلى ومن قبلهم ممن تقدم ذكره وهو ابن مسعود وأتباعه ومالك في المشهور عنه وعنه عدم الوقوع مطلقا ولو عين وعن ابن القاسم مثله وعنه أنه توقف وكذا عن الثوري وأبى عبيد وقال جمهور المالكية بالتفصيل فان سمى امرأة أو طائفة أو قبيلة أو مكانا أو زمانا يمكن أن يعيش إليه لزمه الطلاق والعتق وجاء عن عطاء مذهب آخر مفصل بين أن يشرط ذلك في عقد نكاح امرأته أولا فان شرطه لم يصح تزويج من عينها والا صح أخرجه ابن أبي شيبة وتأول الزهري ومن تبعه قوله لا طلاق قبل نكاح أنه محمول على من لم يتزوج أصلا فإذا قيل له مثلا تزوج فلانة فقال هي طالق البتة لم يقع بذلك شئ وهو الذي ورد فيه الحديث وأما إذا قال إن تزوجت فلانة فهي طالق فان الطلاق انما يقع حين تزوجها وما ادعاء من التأويل ترده الآثار الصريحة عن سعيد بن المسيب وغيره من مشايخ الزهري في أنهم أرادوا عدم وقوع الطلاق عمن قال إن تزوجت فهي طالق سواء خصص أم عمم أنه لا يقع ولشهرة الاختلاف كره أحمد مطلقا وقال إن تزوج لا آمره أن يفارق وكذا قال اسحق في المعينة قال البيهقي بعد أن أخرج كثيرا من الاخبار ثم من الآثار الواردة في عدم الوقوع هذه الآثار تدل على أن معظم الصحابة والتابعين فهموا من الاخبار أن الطلاق أو العتاق الذي علق قبل النكاح والملك لا يعمل بعد وقوعهما وان تأويل المخالف في حمله عدم الوقوع على ما إذا وقع قبل الملك والوقوع فيما إذا وقع بعده ليس بشئ لان كل أحد يعلم بعدم الوقوع قبل وجود عقد النكاح أو الملك فلا يبقى في الاخبار فائدة بخلاف ما إذا حملناه على ظاهره فان فيه فائدة وهو الاعلام بعدم الوقوع ولو بعد وجود العقد فهذا يرجح ما ذهبنا إليه من حمل الاخبار على ظاهرها والله أعلم وأشار البيهقي بذلك إلى ما تقدم عن الزهري والى ما ذكره مالك في الموطأ أن قوما بالمدينة كانوا يقولون إذا حلف الرجل بطلاق امرأة قبل أن ينكحها ثم حنث لزم إذا نحكها حكاه ابن بطال قال وتأولوا حديث لا طلاق قبل نكاح على من يقول امرأة فلان طالق وعورض من ألزم بذلك بالاتفاق على أن من قال لامرأة إذا قدم فلان فأذني لوليك أن يزوجنيك فقالت إذا قدم فلان فقد أذنت لوليي في ذلك أن فلانا إذا قدم لم ينعقد التزويج حتى تنشئ عقدا جديدا وعلى أن من باع سلعة لا يملكها ثم دخلت في ملكه لم يلزم ذلك البيع ولو قال لامرأته ان طلقتك فقد راجعتك فطلقها لا تكون مرتجعة فكذلك الطلاق ومما احتج به من أوقع الطلاق قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود قال والتعليق عقد التزمه بقوله وربطه بنيته وعلقه بشرطه فان وجد الشرط نفذ واحتج آخر بقوله تعالى يوفون بالنذر وآخر بمشروعية الوصية وكل ذلك لا حجة فيه لان الطلاق ليس من العقود والنذر يتقرب به إلى الله بخلاف الطلاق فإنه أبغض الحلال إلى الله ومن ثم فرق أحمد بين تعليق العتق وتعليق الطلاق فأوقعه في العتق دون الطلاق ويؤيده أن من قال لله على عتق لزمه ولو قال لله على طلاق كان لغوا والوصية انما تنفذ بعد
(٣٣٩)