فكأن عندهم بعد لا حذفا تقديره لا تعزلوا وعليكم أن لا تفعلوا ويكون قوله وعليكم الخ تأكيدا للنهي وتعقب بأن الأصل عدم هذا التقدير وانما معناه ليس عليكم أن تتركوا وهو الذي يساوى أن لا تفعلوا وقال غيره قوله لا عليكم أن لا تفعلوا أي لا حرج عليكم أن لا تفعلوا ففيه نفى الحرج عن عدم الفعل فافهم ثبوت الحرج في فعل العزل ولو كان المراد نفى الحرج عن الفعل لقال لا عليكم أن تفعلوا الا ان ادعى أن لا زائدة فيقال الأصل عدم ذلك ووقع في رواية مجاهد الآتية في التوحيد تعليقا ووصلها مسلم وغيره ذكر العزل عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ولم يفعل ذلك أحدكم ولم يقل لا يفعل ذلك فأشار إلى أنه لم يصرح لهم بالنهى وانما أشار أن الأولى ترك ذلك لان العزل انما كان خشية حصول الولد فلا فائدة في ذلك لان الله إن كان قدر خلق الولد لم يمنع العزل ذلك فقد يسبق الماء ولا يشعر العازل فيحصل العلوق ويلحقه الولد ولا راد لما قضى الله والفرار من حصول الولد يكون لأسباب منه خشية علوق الزوجة الأمة لئلا يصير الولد رقيقا أو خشية دخول الضرر على الولد المرضع إذا كانت الموطوءة ترضعه أو فرارا من كثرة العيال إذا كان الرجل مقلا فيرغب عن قلة الولد لئلا يتضرر بتحصيل الكسب وكل ذلك لا يغنى شيئا وقد أخرج أحمد والبزار وصححه ابن حبان من حديث أنس أن رجلا سال عن العزل فقال النبي صلى الله عليه وسلم لو أن الماء الذي يكون منه الولد أهرقته على صخرة لأخرج الله منها ولدا وله شاهدان في الكبير للطبراني عن ابن عباس وفى الأوسط له عن ابن مسعود وسيأتي مزيد لذلك في كتاب القدر إن شاء الله تعالى وليس في جميع الصور التي يقع العزل بسببها ما يكون العزل فيه راجحا سوى الصورة المتقدمة من عند مسلم في طريق عبد الرحمن بن بشر عن أبي سعيد وهى خشية أن يضر الحمل بالولد المرضع لأنه مما جرب فضر غالبا لكن وقع في بقية الحديث عند مسلم أن العزل بسبب ذلك لا يفيد لاحتمال أن يقع الحمل بغير الاختيار ووقع عند مسلم في حديث أسامة بن زيد جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال انى أعزل عن امرأتي شفقة على ولدها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن كان كذلك فلا ما ضر ذلك فارس ولا الروم وفى العزل أيضا ادخال ضرر على المرأة لما فيه من تفويت لذتها وقد اختلف السلف في حكم العزل قال ابن عبد البر لا خلاف بين العلماء أنه لا يعزل عن الزوجة الحرة الا باذنها لان الجماع من حقها ولها المطالبة به وليس الجماع المعروف الا ما لا يلحقه عزل ووافقه في نقل هذا الاجماع ابن هبيرة وتعقب بان المعروف عند الشافعية أن المرأة لا حق لها في الجماع أصلا ثم في خصوص هذه المسئلة عند الشافعية خلاف مشهور في جواز العزل عن الحرة بغير اذنها قال الغزالي وغيره يجوز وهو المصحح عند المتأخرين واحتج الجمهور لذلك بحديث عن عمر أخرجه أحمد وابن ماجة بلفظ نهى عن العزل عن الحرة الا باذنها وفى اسناده ابن لهيعة والوجه الآخر للشافعية الجزم بالمنع إذا امتنعت وفيما إذا رضيت وجهان أصحهما الجواز وهذا كله في الحرة وأما الأمة فإن كانت زوجة فهي مرتبة على الحرة ان جاز فيها ففي الأمة أولى وان امتنع فوجهان أصحهما الجواز تحرزا من ارقاق الولد وإن كانت سرية جاز بلا خلاف عندهم الا في وجه حكاه الروياني في المنع مطلقا كمذهب ابن حزم وإن كانت السرية مستولدة فالراجح الجواز فيه مطلقا لأنها ليست راسخة في الفراش وقيل حكمها حكم الأمة المزوجة هذا واتفقت المذاهب الثلاثة على
(٢٦٩)