وكان من أصحاب معاذ بن جبل، أخبره، قال: كان لا يجلس مجلسا للذكر حين يجلس إلا قال: الله حكم قسط هلك المرتابون، فقال معاذ بن جبل يوما: إن من ورائكم فتنا يكثر فيها المال، ويفتح فيها القرآن حتى يأخذه المؤمن والمنافق والرجل والمرأة والصغير والكبير والعبد والحر، فيوشك قائل أن يقول: ما للناس لا يتبعوني وقد قرأت القرآن؟ ما هم بمتبعي حتى أبتدع لهم غيره، فإياكم وما ابتدع، فإن ما ابتدع ضلالة، وأحذركم زيغة الحكيم، فإن الشيطان قد يقول كلمة الضلالة على لسان الحكيم، وقد يقول المنافق كلمة الحق، قال: قلت لمعاذ: ما يدريني رحمك الله أن الحكيم قد يقول كلمة الضلالة وأن المنافق قد يقول كلمة الحق؟ قال: بلى، اجتنب من كلام الحكيم المشتهرات التي يقال لها ما هذه، ولا يثنينك ذلك عنه، فإنه لعله أن يراجع، وتلق الحق إذا سمعته فإن على الحق نورا، قال أبو داود: قال معمر عن الزهري في هذا، ولا ينئينك ذلك عنه، مكان يثنينك، وقال صالح بن كيسان عن الزهري في هذا: المشبهات، مكان المشتهرات، وقال لا يثنينك كما قال عقيل، وقال ابن إسحاق عن الزهري قال: بلى ما تشابه عليك من قول الحكيم حتى تقول ما أراد بهذه الكلمة.
4612 حدثنا محمد بن كثير، قال: ثنا سفيان، قال: كتب رجل إلى عمر بن عبد العزيز يسأله عن القدر، ح وثنا الربيع بن سليمان المؤذن، قال: ثنا أسد بن موسى، قال: ثنا حماد بن دليل، قال: سمعت سفيان الثوري يحدثنا عن النضر، ح وثنا هناد بن السرى، عن قبيصة، قال: ثنا أبو رجاء، عن أبي الصلت وهذا لفظ حديث ابن كثير ومعناهم، قال: كتب رجل إلى عمر بن عبد العزيز يسأله عن القدر، فكتب: أما بعد، أوصيك بتقوى الله، والاقتصاد في أمره، واتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وترك ما أحدث المحدثون بعد ما جرت به سنته، وكفوا مؤنته، فعليك بلزوم السنة فإنها لك بإذن الله عصمة، ثم اعلم أنه لم يبتدع الناس بدعة إلا قد مضى قبلها ما هو دليل عليها أو عبرة فيها، فإن السنة إنما سنها من قد علم ما في خلافها ولم يقل ابن كثير (من قد علم) من الخطأ والزلل والحمق والتعمق، فارض لنفسك ما رضى به القوم لأنفسهم، فإنهم على علم وقفوا، وببصر نافد كفوا، ولهم على كشف الأمور كانوا أقوى، وبفضل ما كانوا فيه أولى، فإن كان الهدى ما أنتم عليه لقد سبقتموهم إليه ولئن قلتم: (إنما حدث بعدهم) ما أحدثه إلا من اتبع غير سبيلهم ورغب بنفسه عنهم، فإنهم هم السابقون، فقد تكلموا فيه بما يكفي،