النفس بكمال الملكة التامة على الافعال الفاضلة حتى يكون الانسان ثابتا على الصراط المستقيم متجنبا لطرفي الافراط والتفريط في جميع أفعاله، ثم علمت أن أصول الفضائل الخلقية ثلاثة.
الأول - الحكمة الخلقية وهي الملكة التي تصدر عنها (1) الافعال المتوسطة بين الجربزة والغباوة اللذان هما طرفا الافراط والتفريط، ولما ثبت انه عليه السلام كان من رؤساء الواصلين وجب أن يكون مستلزما لهذه الفضيلة إذ هي من صفات العارفين، وان لا يكون وافقا دونها على حد الغباوة والا لما كان واصلا، وان لا يكون متجاوزا لها إلى طرف الجربزة لان الخبث يمنع صاحبه عن الترقي إلى درجه الكمال ويأبى طبعه الا الشر.
الثاني العفة وقد علمت أنها الملكة الصادرة عن اعتدال حركة القوة الشهوية بحسب تصريف العقل العملي لها على قانون العدل.
ونبين ان هذه الملكة كانت ثابته له عليه السلام من وجوه:
الأول - انه كان أزهد الخلق في الدنيا وفيما عدا القبلة الحقيقية وأقدر على حذف الشواغل الملفتة (2) عن لقاء الله وكل من كان كذلك كان أملك لهواه من غيره اما المقدمة الأولى فمعلومة بالتواتر عن أحواله وصفاته وأما الثانية فضرورية أيضا.
الثاني - قوله عليه السلام مخاطبا لربه (3): ما عبدتك رهبة من عقابك ولا رغبة في ثوابك ولكن وجدتك أهلا للعبادة فعبدتك. وقد عرفت ان ذلك كما يستلزم اثبات الوصول في حقه فكذلك هو مستلزم لاثبات هذه الملكة له لان كل من قدر على حذف ما سوى الحق الأول وتنحيته (4) عن القصد فلابد وأن يكون زمام شهوته بيد عقله.