بتطويعها للقوة العاقلة كما عرفت أسباب التطويع وكيفيته، حتى دق جليله اي صغر جسمه ونحف من تحمل أعباء الرياضة والقيام بها، ولطف ما كان غليظا كثيفا من هيئاته البدنية الردية فصارت نفسه مرآة مجلوة فبرق فيها بارق العزة وهو الوقت في عرف أرباب العرفان كما عرفته، وكونه كثيرا إشارة إلى ما ذكرنا من أن تلك اللوامع لا تزال تزداد وتكثر إلى أن تغشاه في غير حال الارتياض. وقوله: فأبان له الطريق وسلك به السبيل، اي انه اهتدى لمعارج القدس بتلك البروق بعد أن كان غير مهتد لها، وسلك به السبيل الأقصد بعد أن كان في أسر متخيلته في حال ارتياضة تسوقه في سبل مختلفة بحسب اختلاف محاكاتها للأمور الوهمية قبل الاطلاع باشراق تلك اللوامع على السبيل الواضح ولذلك قال: وتدافعت به الأبواب اي الأبواب المتخيلة انها هي المسالك الصحيحة قبل الاشراف على باب السلامة المؤدى إلى دار المقامة، وثبتت رجلاه بطمأنينة بدنه إشارة إلى انقلاب - وقته سكينة ولا تستفزه غواشيه في قرار الامن عن الوجدين المحفوف بهم الوقت، وعن روع - استفزاز تلك الغواشي والراحة من مجاذبة النفس الامارة إذ صارت في أسر النفس المطمئنة مقهورة تأتمر بأوامرها وتنزجر بنواهيها، بما استعمل قلبه وأرضى ربه بامتثال أمر ربه في الأعمال المتقدمة في درجات السلوك.
وهذه اللطائف مما يوضح انه عليه السلام كان مطلعا اطلاعا حقيقيا على هذه المقامات واقفا (1) على أعلى درجاتها واصلا إلى منتهاها وغايتها.
الخامس - انك ستعرف في الفصل الثاني إن شاء الله تمكنه عليه السلام من الاطلاع على المغيبات والقدرة على الاتيان بخوارق العادات، ومعلوم ان ذلك من خواص الواصلين.
البحث الثاني في بيان كماله عليه السلام في القوة العملية قد عرفت ان كمال القوة العملية إنما هو بكمال الحكمة العملية وهي استكمال