الكلمة الرابعة والثلاثون قوله عليه السلام: من أبدى صفحته للخلق (1) هلك.
أقول: صفحه الشئ جانبه وأبدى اي، أظهر، والهلاك في الأصل السقوط وكل ساقط عن حالة (2) هي في نفس الامر كمال وخير فهو هالك واعلم أن لهذه الكلمة في كلامه عليه السلام تتمة توضح معناها وهي: من أبدى صفحته للخلق (3) هلك عند جهلة الناس، وحينئذ يلوح لك ان المقصود من جود نفسه لمقابلة الجهال من الخلق الذين لا يعرفون قدر نفوسهم وما هي عليه من رذيلة الجهل والنقصان اللازم لها وزحمهم (4) بجانبه في اظهار الحق ونصرته وشهر سيف العصبية (5) عليهم فيه وحملهم على ركوب طريق (6) العدل من غير أن يشوب تلك الخشونة بلين ويخلط تلك الصعوبة بهون هلك فيما بينهم فلم يلتفتوا إليه وضاع فلم يقبلوا عليه لجهلهم (7) بقدر الحق وعدم اطلاعهم على المقاصد التي ينبغي ان تسلك وتعودهم بارتكاب أضدادها ذلك بل نفروا منه وأبغضوه وعادوه لمخالفة (8) أكثر الخلق (9) الذي ألزمهم به لاغراضهم الفاسدة وربما أدى ذلك إلى قتله وإفنائه أو اجتلاب (10) أنواع الأذى عليه بسبب قوة الأذى الحاصل لهم من تطعم (11) مرارات الحق وضعفه بالنسبة إلى اشخاص الجهال ونفارتهم (12) في قبول الحق وعدم قبوله. وهذه الكلمة من أظهر الدلائل على أنه عليه السلام كان أعرف الناس بوجوه التدبير وأحسنهم إيالة وانه كان مقتدرا على اصلاح الدارين متسع القوة للجمع بين الأطراف