الكلمة العاشرة قوله عليه السلام: لا تنظر إلى من قال وانظر إلى ما قال.
أقول: المراد بالنظر ههنا الاعتبار العقلي لا النظر بالبصر فإنه غير لائق ههنا وذلك أنه لما كان الفخر الأبدي والشرف السرمدي إنما هو بالتحلي بالكمالات العقلية والفضائل الخلقية بعد التخلي عن ادناس أضدادها ونزع اطمار مقابلاتها، وكان ما يعد في العرف كمالا ونقصانا ويظن في الظاهر جمالا وقباحة (1) من حسن البزة ونضارة الوجه وقبح منظرهما وما يعتبر من مشخصات الشخص اللازمة له في الوجود وما يصحبها من عز وذل، وفقر وغنى، وشرف بيت وخسة، ورفعة أصل ودناءة، وغير ذلك أمورا وهمية واحكاما خيالية صير إليها من متابعة النفس للقوة الشهوية وغفلتها عن الكمال الحقيقي والنقصان البائر، وكانت العناية الإلهية قد اقتضت ان (2) القوة النطقية معربة عما يحصل في ضمير الانسان ومفهمة لما في ذهنه مما لا يطلع عليه غيره من الكمالات والنقصانات النفسانية المدلول عليها بالالتزام من مخاطباته، والمستنبطة بالانتقالات الفكرية من أقواله ومحاوراته، لاجرم حق لذوي العقول ان يلاحظوا بنواظر بصائرهم ما يقول القائل حين يقول، فيستدلوا (3) ينظم قوله وترتيب ألفاظه واستلزامها للحكم النفسية والآداب الخلقية على كمال عقله، وبضد ذلك على نقصان عقله، ويكون ذلك سببا لفهم مقداره وادراك وزنه، وانه هل هو في حيز الملائكة المقربين، أو في مرابض البهائم، وبين ذلك، ولا ينظروا إلى من قال أي إلى الشخص من حيث إنه ذلك الشخص والى الأمور المشخصة له والكمالات المزينة لذلك الشخص التي إنما تعد كمالا في بادي الرأي فإذا اعتبرت حقيقتها كانت وبالا، والمنهى عنه ههنا هو النظر الأول إليها