واعلم أن الأول وإن كان هو المقصود الذاتي من الكلمة الا ان الثاني أيضا مراد، إذ يصدق عليه انه قاطع اللسان أيضا. ثم اعلم أن الاحسان كما يقطع اللسان فهو موجب للألفة والمحبة كما عرفت التي هي سبب لتحصيل السعادتين، وعلة لاستحقاق المنزلين، وموجبة لمحبة الخالق والحصول في جواره المقدس كما أشير إليه في التنزيل الإلهي: والله يحب المحسنين (1) وان الله لمع المحسنين (2) وبه يستعبد الأحرار كما يقطع السنة الأشرار، قال الشاعر (3):
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم * فطالما استعبد الانسان احسان وينبغي للعاقل ان يلزم محاب الله فإنه يكون محبوبا لله، وأن يكون من الكائنين مع الله، وان يختار لنفسه ما اختاره الله لنفسه من التسمية محسنا، فمن كان مع الله فقد حصل في جواره، ومن كان محبوبا لله فقد فاز بجميع مقاصده، ومن تخلق بأخلاق الله فقد استحق الخلود في دار البقاء وكل ميسر لما خلق له (4).
الكلمة الحادية والثلاثون قوله عليه السلام: احذروا نفار النعم فما كل شارد بمردود.
أقول: اسناد النفار والشرود حقيقة في النعم وقد استعملها عليه السلام ههنا مجازا في النعم ووجه المشابهة انهما يستلزمان المفارقة في الموضعين، والمقصود من هذه الكلمة التحذير من مفارقة النعم وهي الكمالات الخيرية بمفارقة أسبابها، والتنبيه بالسالبة الجزئية وهي قوله: فما كل شارد بمردود، على أن النعم بعد مفارقتها قد لا تعود إليكم فان