النفس عن الترتيب الصحيح فهي لقصورها غير مطلعة على قصورها بل معتقدة للكمال ومع ذلك فإذا لم يتوقف تحريكها وفعلها على فكر ولا ترو كان كل ما يتصوره مبذولا مذاعا (1) سواء كان مما يجوز ابداؤه أولا يجوز. واما العاقل فلما كانت أفعاله واستنباطه للواجب موقوفا على الأفكار الصحيحة والنظر والتروي لاجرم كانت أقواله المعبر عنها بلسانه تابعة لأفكار عقله فكان لسانه وراء قلبه، والله الموفق للصواب.
الكلمة الحادية والعشرون قوله عليه السلام: ظن العاقل كهانة.
أقول: الظن هو الاعتقاد بأحد النقيضين فإن كان مطابقا للمعتقد كان ظنا صادقا وان لم يطابقه كان كاذبا، وصدق هذا الاعتقاد وكذبه تابعان لصحة ترتيب الامارات و فسادها وصدقها وكذبها، فان ترتيب الامارات الصادقة ترتيبا صحيحا على القانون الذي يجب رعايته في صحة القياس استلزم ذلك الترتيب إفاضة الظن الصادق على الذهن وان اختل قيد من تلك القيود لم يحصل أولم يحصل مطابقته للمعتقد وهو قابل للشدة والضعف وتنتهى مراتبه في القوة إلى الجزم وفى الضعف إلى الشك، ويستعان في طلب قوته بكثرة الامارات وجمعها والنظر فيها، وقد يحصل هذا الاعتقاد عن كثرة التخيلات بسبب اليبس العارض لمزاج الروح الحامل للقوة المتخيلة فتخف حركتها بسبب ذلك ويقل ضبط النفس لها لفساد آلتها ولكنه يكون ظنا كاذبا ولا عبرة به.
واما الكهانة فهي ضرب من الاطلاع على الأمور الغيبية وقد علمت كيفية السبب في الاطلاع عليها غير أن الآثار الصادرة عن الكاهن ضعيفة قليلة بحسب ضعف استعداده وقلته ولذلك لا تتمكن في الغالب من الاخبار بشئ من غير سؤال بل يحتاج إلى سؤال باعث له على التلقي والاعداد لنفسه بالحركة وغيرها مما يدهش الحس ويحير الخيال كما حكيناه عند بيان السبب فعندما يعتنى الوهم ويتوكل بذلك الطلب فكثيرا ما يعرض