الكلمة الثانية الأربعون قوله على السلام: لا محبة مع مراء.
أقول: المراء والمماراة المجادلة، والمقصود من (1) هذه الكلمة بيان ان المماراة ومجاذبة القول مع لأصدقاء وأهل المودات مما لا يجامع محبتهم وأنسهم للممارى (2) بل يقتلعه (3) اقتلاعا وتقرير ذلك انا بينا فيما سبق ان المحبة سبب للألفة (4) والانس الذي يحتاج الخلق إليه في اصلاح معاشهم، وبينا (5) انه سبب للسعادتين واتفق الحكماء وأرباب العقول على أن المرء مع هؤلاء يقلع (6) المودة من أصلها وذلك انها سبب الاختلاف، والاختلاف سبب التباين المضاد للألفة التي حثت عليها الشريعة القويمة واتفقت على وجوبها كلمة النبيين، ومن الناس مؤثر المراء ويزعم أنه يشحذ الأذهان ويثير الشكوك ويفيد (7) رياضة النفس في ميدان الكلام فهو يتعمد (8) ذلك في المحافل ومجالس أهل النظر ويخرج في كلامه إلى ألفاظ العامة ليزيد في خجل صديقه ويظهر انقطاعه وانقهاره (9) في يده ولو فعل ذلك في الخلوة لكان أهون لكنه يفعله حيث يعتقد الحاضرون انه أدق نظرا وأدق حجة وأغزر عملا، وهذا الرأي غير لائق الا بأهل البغى وجبابرة أهل الأموال إذ كان من عادتهم ان يستحقر بعضهم بعضا ولا ينفك أحدهم يصغر صاحبه، ويزري عليه، وينقص مروته، ويبحث عن عيوبه ويتتبع عثراته، ويبالغ كل منهم فيما يقدر عليه من مساءة صاحبه حتى يؤدى ذلك إلى العداوة البالغة التي يكون