الفانية وما لا يعود بنفع في أمر المعاد، والمراد ههنا هو الطمع بالمعنى الثاني، وإذا كان كذلك فلابد وأن يكون الذل ملازما للطمع واللازم مع ملزومه في الوجود ثم السبب في ذلك اللزوم ان قوتي الغضب والشهوة تتغالبان (1) فأي القوتين كان أغلب فلابد وأن تكون النفس تابعة لها وحينئذ تنجذب القوة خلفها، فإذا فرضنا ان القوة الشهوية ثارت بصاحبها وقويت في الطلب إلى حد لا ينبغي فلا بد وأن يكون العقل مأسورا في يدها، ويتبعها سائر القوى فتنقهر معها قوته الغضبية وتسكن عن الحركة فيما يجب ان يتحرك فيه، وحينئذ تكون المهانة المستلزمة لزوال الانفة والحمية.
وفى هذه الكلمة تنبيه على وجوب ترك رذيلة الطمع بترك متابعة القوة الشهوية وقهرها، لان رذيلة الذل لما كانت مهروبا منها (2) مجتهدا في تحصيل ما يقابلها من الفضائل التي فيها كمال النفس وكان ترك الطمع وسيلة إلى تحصيل تلك الفضائل وجب ذلك الترك لوجوبها، والله ولى التوفيق.
الكلمة التاسعة عشر قوله عليه السلام: الحرمان مع الحرص.
أقول: الحرمان منع العطية، وأما الحرص فقد سبق بيانه وهما لفظان مهملان فالقضية مهملة، والمتيقن منها حكم جزئي وعند ذلك نقول: لما كانت الموهبات والعطايا (3) قد تكون دنيوية وقد تكون أخروية، وكان الحرمان نسبة تستدعى حارما ومحروما ومحروما منه (4) كان الحرمان صادقا على منع الموهبة الأخروية وعلى منع الموهبة الدنيوية، غير أن الأليق بكلامه عليه السلام حمله على منع الموهبة الأخروية: وإذا (5) كان