كان عدم مطابقة الطمع الصادر (1) عن تلك الاعتقادات وكذبه أقلي الكون فلذلك صدر عليه السلام القضية برب. بيان الثاني ان الكلمة مستلزمة للتنبيه على قبح الطمع في الأمور الفانية إذ كان طلبها مع ما يؤدى إليه من أمر المعاد مشتملا على كذب اعتقاد حصولها بحيث يكون السعي في ذلك المطموع فيه ضائعا لا يعود الا بالضرر فينبغي أن يكون الطامع في مجرى مواقع (2) طمعه العائد عليه بالنفع على تثبت، والله الموفق.
الكلمة الرابعة والعشرون قوله عليه السلام: رب رجاء يؤدى إلى الحرمان.
أقول: الحرمان مصدر قولك حرمت فلانا العطية إذا منعته إياها بالكلية، والمقصود ههنا بيان ان الرجاء الذي هو سبب في العادة لحصول المطلوب قد يتفق أن يكون سببا لحرمانه وبيان ذلك أن الرجاء اما أن يكون من الله تعالى أو من أحد من أبناء النوع وعلى التقديرين فقد يكون سببا للحرمان اما من الله تعالى فصورته رجاء محصل لوقر أو أوقار (3) من المال غلبه الحرص والشرة وساقه (4) امل الزيادة فيه إلى السفر به في البحار والقفار وكان في القضاء الإلهي تلفه وحرمان صاحبه بالكلية وإن كان ذلك غير مقصود بالذات للعناية الإلهية، واما من أبناء النوع فصورته ان يقصد الراجي إلى بعض المثرين رجاء رفده فيغلبه الحرص والطمع على طلب ما لا يمكن أو التماس ما ينفر الطبع من التماسه فيكون ذلك مثيرا للقوة الغضبية وسببا لمنعه بالكلية بحيث انه لو اقتصر على ما هو دون ذلك واسهل منه لاعطى إياه ولما كان ممنوعا، ولما كانت هذه الأحوال أقلية الوجود بالنسبة إلى الرجاء المؤدى إلى حصول المطالب وبلوغ الأمور المرجوة لاجرم صدر القضية برب. وفى هذه الكلمة أيضا تنبيه على وجوب وضع الرجاء موضعه كما ينبغي وعلى الوجه