خير في الصمت عن الحكم كما أنه لاخير في التكلم بالجهل غير أنهم أكثروا الحث على لزوم السكوت وقلة الكلام لان خطر الكلام أقوى وأعظم ولذلك كان الذم للمكثار الزم، فقد علمت استحقاق الغانم بكلامه الخيري والسالم بسكوته الذي ينبغي لاستنزال الرحمة الرحمانية والعناية الربانية بدعائه المستجاب الذي ليس دونه حجاب، والله ولى التوفيق.
الكلمة الخامسة قوله عليه السلام: الاعتذار تذكير بالذنب.
أقول: الاعتذار طلب العذر من المجني عليه، والعذر محو اثر الجريمة من الذكر ليتبين ان اعتقاد سبب ذلك الأثر (1) لم يكن مطابقا وهو مأخوذ من قولهم: اعتذرت المنازل إذا درست، والذنب الجرم والمقصود بيان ان إعادة الاعتذار مستلزم لتذكير المجني عليه بالذنب الصادر في حقه وتقرير هذا الحكم ان نقول: ان ترك الفعل أو القول الذي يحتاج معه إلى الاعتذار واجب فإن كان ولابد فليكن الاجتهاد في الاعتذار بخلوة من المعتذر إليه دون أن يكون هناك من لا يحتاج إليه في قبول الاعتذار من الشفعاء والوسائط فان الاعتذار بين الخلق مما يشهر حال المعتذر بفعل القبيح المبنى على الستر ويفيد انكسار الحياء وكشف قناعه على الوجه وخشونة الحدقة وقحة الملاقاة وضروب الشرور ثم يجتهد المعتذر أن لا يزيد في الاعتذار على المرة الواحدة وكفى بها فان في المعاودة شرورا، منها كثرة المطلعين من الخلق على ذلك القبيح الصادر المحتاج إلى طلب العذر، منها تذكير الشاعرين بذلك الجرم من الاعتذار الأول ودوام التأذى من قبلهم للمعتذر، ومنها وهو أصعبها تذكير المعتذر منه بالذنب الواقع في حقه وإثارة ضغنه (2) وأحقاده