وإذا عرفت ذلك فاعلم أن الاباء والأصول الكريمة وإن كان الانسان يفتخر بالانتساب إليها ولكن قد عرفت ذلك افتخار وهمى دال على محبة الدار الفانية مستلزم للشرف بفضيلة أو فضائل غير حاصلة لمن يتشرف بها فيمن سلف ممن ينتسب إليه لا يتعداه بل أكرم أصل ينتسب إليه الانسان الأدب إذا كان سبب الخير الدائم والموصل إلى نيل السعادات الباقية، وبه يكون الرفعة والتعظيم الحقيقي، وإنما خص الكلمة بلفظ الكرم دون شئ اخر لأنه ههنا في معرض بيان النسب والأصل، والعرب تخص الأصول والاباء المنجبة (1) بالكرم فتقول فيمن صدرت عنه أفعال خيرية وكانت له سابقه أصل في ذلك: انه ذو أصل كريم، وهذا فعل ابائه الكرام، فلأجل ذلك خصه عليه السلام ههنا بلفظ الكرم دون الشرف والعز وغير ذلك من الألفاظ، وإنما خص الأدب دون فضيلة العلم أو غيرها من الفضائل الجليلة لكونه إذا وقع كما ينبغي مستلزما لسائر الفضائل، والانتساب إليه أشهر لكونه أقرب إلى طباع عامة الخلق، فقد عرفت ان أكرم درجات النسب درجة حسن الأدب. والله تعالى هو الموفق لمتحلى بحليته، وهو المستعان.
الكلمة الثانية قوله عليه السلام: بالبر يستعبد الحر أقول: البر الاحسان واما الحر فقد عرفته والمراد به ههنا هو الخالص من وثاق الرق ويستبعد اي يتخذ عبدا وذلك لتحقق معنى العبودية فيه عند الاحسان وهو الخضوع والتذلل ولان الغاية المطلوبة من تسليم الثمن في شراء العبد إنما هو الانتفاع بخدمته وتصريفاته (2) وكذلك من أسدى إلى حر معروفا قد يكون انتفاعه بسببه اما انتفاعا عاجلا (3) كخدمته وتصرفاته والتامر عليه، واما آجليا وهو التقرب إلى الحق تعالى والامتثال