وفى هذه الكلمة تجوز حسن في اطلاق اسم الذلة على سببها وهو من أقوى وجوه المجاز وهي مستلزمة للتنبيه على وجوب حسم أصل هذه الرذيلة بالسعي والترفع (1) إلى الحصول على العدالة التي هي الوسط ليسلم الانسان من دنس هذه الرذيلة وما يلزمها من النفاق وغيره، وبالله (2) التوفيق.
الكلمة السابعة عشر قوله عليه السلام: الجزع أتعب من الصبر.
أقول: الجزع ألم نفساني يعرض من تصور فقد محبوب أو فوت مطلوب، واما الصبر فقد عرفت انه فضيلة للنفس بها يكون مقاومتها لهواها لئلا تنقاد إلى مقابح (3) اللذات وقد عرفناها (4) فيما قبل بأنه مقاومة النفس لهواها، وهو تعريف للشئ ببعض لوازمه الخاصة به إذا عرفت ذلك فاعلم أن المقصود من هذه القضية بيان ان الجزع أشد تعبا على النفس من الصبر وأنت عند (5) أدنى تفطن ومراجعة لباطنك ترى ان ذلك أمر وجداني ويزيدك (6) تنبيها على صحة ذلك النظر إلى غايتي الجزع والصبر فان الانسان لو لم يقاوم هواه ليسلم من مطاوعته على تعود الجزع لم يزل في حزن دائم وجزع غير منقض وشقاء (7) لا محيص عنه والم دائم لا أتعب من تحمله، وان هو استشعر العادة الجميلة وهو ان يرضى بكل ما يجده حتى يحصل تلك العادة ملكة وخلقا ويكون مقاوما لهواه لئلا يقوده إلى الحزن عل مالا يجدى الحزن عليه شيئا أكثر من التألم لم يزل مسرورا مغبوطا فرحا، وكان نسبة ما يعانيه من تعب الصبر إلى تعب الجزع كالقطرة بالنسبة إلى البحر ولو لم يكن التفاوت الا ان تعب الجزع في زيادة وتعب الصبر في نقصان (8) لكان