الكلمة السابعة والعشرون قوله عليه السلام: البغى سائق إلى الحين.
أقول: البغى الظلم، والحين ههنا بفتح الحاء الهلاك، والمراد ان الظلم من الأسباب المعدة لبطلان حياة الظالم ومقرب لهلاكه، وأطلق عليه السلام الفظ السائق على الظلم مجازا من باب الاستعارة، ووجه المشابهة ان السائق (1) كما يكون لسرعة الوصول بسيره إلى المكان المقصود كذلك الظالم يكون ظلمه سببا لسرعة وصوله إلى أجله، واما علة هذا الحكم فهو ان الظالم إنما ينتزع بظلمه من الخلق ما يكون هممهم معلقة بحفظه واقتنائه ونفوسهم حريصة على بقائه في أيديهم وهو سبب لذتهم ومتعتهم (2) وما يتوهمون انه ملك فيكون بذلك معرضا نفسه لاجتماع هممهم (3) في اذاه واجتهادهم في دفعه واهلاكه اما باستعداء ظالم آخر أو عادل عليه واما بأيديهم واما بفزع نفوسهم إلى الله تعالى وتفريغ خواطرهم واعدادها بالأدعية والابتهالات لان تفاض عليها إجابة الدعوات بانزال العقوبة العاجلة له كما عرفت كيفية ذلك الاستنزال وامكانه، وحينئذ تكون حركة الظالم في ظلمه سببا باعثا لحركة المظلوم في طلب الانتصار وأخذ الثار على أحد الوجوه المذكورة فكان (4) ظلمه سببا قائدا له إلى حينه، ولما كان قرب الحين منفورا منه (5) طبعا للخلق وكان الظلم سببا سائقا إليه وجب عليك أيها الأخ ان تنظر بعين بصيرتك ما استلزمته هذه اللفظة من التنبيه على وجوب ترك الظلم سيما وقد علمت أنه من أعظم الرذائل وأقبحها، والله يثبت أقدامنا في مزال الاقدام، ويطهر نفوسنا من ادناس الآثام، وانه ولى الانعام وصاحب الأيادي الجسام.