والاستعداد لكمال العلوم وفى غاية الحرص، ولا نزاع ان محمدا صلى الله عليه وآله كان أفضل الفضلاء وأعلم العلماء فإذا اتفق لمثل هذا التلميذ الكامل ان يصحب مثل هذا الأستاذ الفاضل ويكونان في غاية الحرص، التلميذ في التعلم والأستاذ في التعليم وكان قد سبق له ن اتصل بخدمته من زمان صغره إلى آخر عمره كما أشار إليه وعلى الوجه الذي أشار إليه فان العقل يضطر إلى الحكم بان ذلك التلميذ يبلغ مبلغا عظيما في الكمال، ويصل الغاية القصوى من العلم.
الثاني - قوله عليه السلام: أرى نور الوحي - إلى قوله - قد أيس من عبادته، وذلك أنه عليه السلام رأى بعين بصيرته الصور الإلهية أمثال الأنوار البهية كما عرفت من انزعاج المتخيلة إلى تلك الصور المقتنصة للعقل وتشبيحها وحطها إلى الحس المشترك بصور خيالية وكذلك انحط إلى حسه النفحات الربانية في مثال ريح محسوسة في غاية الذكاء ونهاية اللذة كريح المسك الأذفر وإن كان فرقان (1) ما بينهما فرقان ما بين الشامين والمشمومين وكذلك سمع رنه الوهم حال قهر العقل له وانزعاجه خلفه واستتباعه إياه حال انفلاته إلى التوجه نحو القبلة الحقيقية واقتناص الصور القدسية (3) وحقيقة ذلك الرنان ان العقل متصور (4) في تلك الحال ما وقع للوهم من انجذابه إلى خلاف مقتضى طبعة فتصور المتخيلة حينئذ وتشبه ما أدركه العقل من أحواله معه بصوره شخص شرير بعيد عن قبول الخير قهر على المتابعة فيه فتألم (5) فصاح (6) فتحطه في تلك الصورة وما يصحبها من الأمثال المحسوسة إلى الحس المشترك فيدرك هناك الصوت (7) المسمى بالرنان وذلك يدل على وصوله واتصاله بأرباب حظيرة القدس وقرب مزلته من تناول صور الوحي وان صدق انه دون درجة النبوة.