مما لا يجتمعان بيانه ان الاحسان بذل بعض ما لا يجب بذله، وبذل بعض ما لا يجب مع منع ما يجب بذله متنافيا الاجتماع في محل عاقل، لان من منع بذل الواجب عن (1) مستحقه كيف يتصور منه بذل ما ليس بواجب فقد تحققت صحة هذا السلب الكلى.
وفى هذه الكلمة تنبيه على وجوب ترك الشح إذا كان لا يمكن فعل الواجب من البر الا به، وما لا يتم الواجب الا به كان واجبا: قد يكون الشح ملكة طبيعية وحينئذ لا يمكن زوالها فيخرج عن الوسع فيخرج عن التكليف بتركة؟ - قلت: ان التجربة شاهدة بامكان زواله لكن لا دفعة بل بالتعويد والتدريج ويؤيده قوله تعالى: ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون (2)، الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل (3) ذمهم على البخل والشح وعلى الامر به، ولو كان لا يمكن زواله لما مكان متعلق الذم والعقاب، والله ولى التوفيق.
الكلمة التاسعة قوله عليه السلام: لا اجتناب محرم مع حرص.
أقول: الحرص هو بذل الوسع في طلب الأمور التي يمكن تحصيلها وهو أمر إضافي يختلف في استحقاق الحمد والذم به بحسب اختلاف الامر المطلوب في الشرف والخسة فإن كان المطلوب أمرا شريفا كاقتناء (4) الأمور الباقية والكمالات المسعدة كان الحرص عليه أمرا محمودا، وإن كان أمرا خسيسا كاكتساب الأمور الفانية واللذات الوهمية المنقصة (5) كان حرصا مذموما، والحرص المشار إليه في هذه الكلمة هو الحرص على