الوجه تعسفا ما، ومع ذلك فان لقائل ان يقول: ان الفقر بالمعنى المذكور وان أوجب نقصانا للعقل الا انه لا يكون أشد نقصان، ويمكن ان يقال: ان الأشدية ههنا إضافية أي ان الدرجة من النقصان التي يوجبها الفقر بالنسبة إلى ما هو أضعف منها، وفيه ما فيه من التكلف.
الكلمة السابعة عشر قوله عليه السلام: افقر الفقر الحمق (1).
أقول: قد عرفت ان الفقر يطلق على الحاجة المذكورة إلى طرفي المال والفضيلة النفسانية وعلى عدم الأمور المحتاج إليها اطلاقا في كل معنى من هذه الثلاثة على جزئياته بحسب التشكيك فان درجات الفقر متفاوتة بالشدة والضعف، وإذا عرفت ذلك فنقول: المقصود من هذه الكلمة الحكم بان أشد درجات الفقر هو نقصان العقل وعلة هذا الحكم انه لما كان بين درجة الفقر التي هي الحاجة إلى المال والتي هي الحاجة إلى الفضائل النفسانية من التفاوت بالشدة والضعف ما يكاد يوجب الحكم بأنه لا نسبة بينهما ولا اشتراك فلا جرم صح حمل الحمق على أشد الفقر حملا بأنه هو، إذ الحمق في الحقيقة أشد فقر يفرض كما علمت، وهاتان الكلمتان آخذتان بمجامع الحسن لفظا ومعنى فانظر أيها الأخ إلى هذا الإمام الفاضل سلام الله عليه كيف جمع في هاتين الكلمتين بين الوجازة والجزالة، شعر:
وهل فيه عيب لمن عابه؟! * سوى انه رجل فاضل