الكلمة الخامسة والعشرون قوله عليه السلام: البخل جامع لمساوئ العيوب (1). أقول: قد عرفت ماهية البخل، ومساوئ العيوب مقابحها وقبل بيان المقصود نذكر درجات البخل وهي أربع، فالأولى منع ما ينبغي منه لمستحق هو غيره وهو أهون درجاته. الثانية منع ما ينبغي منه لمستحق هو نفسه وهذه أشد من الأولى، لان منع نفسه التي هي أكرم عليه من الغير أشد من منع الغير إذ كان لم يسع في تحصيل ذلك الممنوع الا لنفسه. الثالثة منع ما ينبغي من غيره لمستحق غيره وهي أشد من الثانية، لان حبه لما يتوهم انه يملكه أهون من منعه لما لا يملكه لامكان تصور انتفاعه بما يملكه دون مالا يملكه، الرابعة منع ما ينبغي من غيره لمستحق هو نفسه وهذه أشد الدرجات وصاحبها أبعد الجماعة عن الرشح للخير، لأن هذه الدرجة مستلزمة للثلاث الأول مع زيادة وهي انه منع أحق مستحق عنده لابعد الأشياء عن ملكه، هذه (2) هي الدرجات، فاما أسبابها فاعلم أن السبب اما في الدرجتين اللتين يمنع فيهما ماله عن (3) غيره وعن نفسه فأكثر ما يكون في الابتداء خوف الفقر والحذر من الحاجة إلى من يمنع الرزق الصادر ذلك عن سوء الظن بالمعبود كما عرفت قبل إلى أن (4) يصير ذلك بحسب التكرر والتعود ملكة وخلقا وحينئذ لا يبقى له مع المنع مراعاة تلك الأسباب وخطورها بباله بل يصير ذلك المنع طبيعة،. واما في الباقيتين اللتين يمنع فيهما مال غيره عن نفسه وعن غيره فلانه لما كان تكيف بالملكة الردية المذكورة وتخلق (5) بها صار عند مشاهدة البذل من غيره يقدر بحكم وهمه انه واقع في ذلك البذل وانه هو الفاعل له فيلحقه حينئذ من ذلك نفرة طبيعية (6) يحكم معها بقبح ذلك البذل من فاعله ويحب منه ان لا يبذل ليكون موافقا لطبعه (7) ولا يزال يسمعه التوبيخ
(١٢٤)