باجتنابها عن السقوط في مهاوى الصغار وحلول دار البوار سلامة تستبتع غنيمة عظيمة وتستلزم مسرة مقيمة، فان لها وجودا وإن كان أقليا، وعلى الله قصد السبيل في أربح التجارات وأزكاها وانفعها وأنماها، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
الكلمة السادسة والعشرون قوله عليه السلام: في كل اكلة غصة، ومع كل جرعة شرقة.
أقول: الاكلة الواحدة من الاكل والغصة بفتح العين المرة الواحدة من قولك " غص فلان بالماء = امتلأ حلقه منه فلم يجزه (1) واما بالضم فهي الشجا، والجرعة من الماء وكل مائع شرب المقدار الذي يجذبه القوة (2) الجاذبة منه دفعة دفعة، والشرق الألم العارض عند الشرب من نفوذ الماء في غير المجرى الطبيعي من الحلق. والمقصود من هذه الكلمة بيان ان اللذات الدنياوية غير خالصة من شوب الآلام، وغير صافية من كدورات الشرور، وان ما يعد فيها خيرا ولذة هو عند التحقيق خلاص من ألم وراحة من تعب، ثم هو ليس بخلاص دائم ولا براحة مستمرة بل مستعقبة للألم وملحوقة بالنصب فكنى عليه السلام بالأكلة والجرعة عن اللذات (3) الدنياوية لاستلزامها اللذة وكنى بالغصة والشرقة عن الألم لاستلزامهما إياه فكان ذلك اطلاقا لاسم الملزوم على لازمه في الموضعين وهو مجاز حسن وإنما خص هذين النوعين بالذكر من سائر الأنواع المستلزمة للذة والألم لما ان الأكل والشرب أكثرها وقوعا في الوجود، وفى هذه الكلمة تنبيه لك أيها الأخ على (4) حال هذه اللذات الحاضرة فإنها مشوبة بالآلام موسخة بالآثام فانظر وفقك الله بعين بصيرتك وجه المناسبة بينها وبين اللذات الباقية الصافية وان كنت لا تطلع منها